
أعلنت الحكومة السورية أنها منفتحة على السماح لروسيا بالحفاظ على قواعدها العسكرية على ساحل المتوسط، بشرط أن يكون أي اتفاق يخدم المصالح الوطنية السورية، وفقًا لما صرح به وزير الدفاع مرهف أبو قصرة هذا الأسبوع، ما يعكس رؤية دمشق الاستراتيجية منذ سقوط نظام الديكتاتور بشار الأسد.
تصريحات أبو قصرة، التي جاءت خلال مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، تعكس تغير موقف الإدارة الجديدة تجاه الاتفاقيات العسكرية الأجنبية وتسلط الضوء على جهودها لإعادة تعريف تحالفات سوريا. ورغم معارضته السابقة للتدخل الروسي، أقر القائد الثوري السابق بأن موقف موسكو تجاه سوريا قد “تحسن بشكل كبير” منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي.
وقال أبو قصرة ردًا على سؤال حول السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية: “في السياسة، لا يوجد أعداء دائمون. إذا حصلنا على شيء مفيد لسوريا من ذلك، فالإجابة نعم.”
إعادة تقييم الاتفاقيات العسكرية الأجنبية
لا يزال مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا قيد المفاوضات. فقد تدخلت موسكو في الحرب السورية عام 2015 لدعم نظام الأسد، لكنها انسحبت منذ ذلك الحين من العديد من المواقع داخل البلاد، مع تركيز قواتها في طرطوس وحميميم، وهما قاعدتان استراتيجيتان مهمتان جدًا لروسيا، لا سيما القاعدة البحرية التي تمنحها وصولًا حيويًا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وأكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، عقب اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في أواخر يناير، أن “وضع المنشآت العسكرية الروسية يحتاج إلى مزيد من المفاوضات.” وبينما أبدت موسكو اهتمامها بالحفاظ على وجودها العسكري، أشارت دمشق إلى أن أي اتفاق يجب أن يكون “متبادل الفائدة.”
كما كشف أبو قصرة أن سوريا تجري مفاوضات منفصلة حول وجود القواعد العسكرية الأمريكية والتركية في البلاد. ويجري حاليًا مناقشة اتفاقات عسكرية مع أنقرة قد تؤدي إلى تقليص أو إعادة توزيع القوات التركية في شمال سوريا.
وقال الوزير: “مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق سوريا لا تزال قيد التفاوض.” يُذكر أن هناك حوالي 2000 جندي أمريكي متمركزين في سوريا، معظمهم يدعمون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال شرق البلاد.
دور روسيا في مصير الأسد
مع إعادة تقييم سوريا لعلاقتها مع موسكو، يبقى مصير بشار الأسد مسألة غير محسومة. فقد فرّ الديكتاتور السابق إلى روسيا عقب الانهيار السريع لنظامه في ديسمبر، وأصبح تسليمه نقطة محورية في المفاوضات السورية-الروسية.
ورفض أبو قصرة تأكيد ما إذا كان الرئيس الشرع قد طلب رسميًا تسليم الأسد، لكنه أشار إلى أن المسألة طُرحت خلال محادثات رفيعة المستوى. وقال: “عندما قرر بشار الأسد الذهاب إلى روسيا، كان يعتقد أنه من المستحيل أن نتوصل إلى اتفاق مع الروس. وربما ستتم استعادة العلاقات معهم بطريقة تخدم المصالح السورية أولًا، ثم المصالح الروسية.”
دمج الفصائل المسلحة والمفاوضات الكردية
كجزء من الاستراتيجية الأمنية الجديدة، تعمل الحكومة على دمج الجماعات المسلحة ضمن هيكل عسكري موحد. وأكد أبو قصرة أن حوالي 100 فصيل وافقوا على الانضمام إلى وزارة الدفاع، رغم أن بعض المجموعات ما زالت تعارض الاندماج.
وقال الوزير: “الفصائل التي ستنضم إلى قيادة وزارة الدفاع لن يُسمح لها بالبقاء كوحدات مستقلة. سيتم حل جميع التشكيلات العسكرية في نهاية المطاف.”
وفي الوقت نفسه، تخوض دمشق مفاوضات حساسة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على حوالي 25% من الأراضي السورية. وقد رفضت الحكومة مقترحًا من قسد للاندماج في الجيش السوري ككتلة موحدة، مصرّةً على أن المنطقة يجب أن تخضع بالكامل لسلطة الدولة.
وأكد أبو قصرة: “الحل العسكري سيتسبب في إراقة الدماء من الجانبين. وفق تقييمنا، سيكون الحل سلميًا. لسنا ميالين إلى الخيار العسكري.”
ورغم استمرار المحادثات، تبقى سوريا حازمة في موقفها الرافض لأي مناطق حكم ذاتي داخل أراضيها، حيث استبعدت تمامًا فكرة الإدارات المستقلة. وقد اقترح مسؤولون أمريكيون إمكانية دمج بعض عناصر قسد في قوات الأمن السورية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بعد.
نهج براغماتي ومستقبل غير مؤكد
في ظل تعقيدات المشهد الجيوسياسي، يبدو أن القيادة السورية الجديدة مستعدة للتعامل مع الخصوم السابقين إذا كان ذلك يخدم المصالح الوطنية. وبينما لا يزال وضع القواعد العسكرية الأجنبية غير محسوم، تسعى دمشق إلى لعب دور مركزي في تقرير مستقبل الأمن والسيادة السورية.