
في زيارة تاريخية، وصل فرناندو أرياس، المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، إلى سوريا يوم السبت على رأس وفد رفيع المستوى للقاء الإدارة السورية الجديدة. وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى دمشق، ما يشير إلى تحول في العلاقات بعد سنوات من التوتر في ظل نظام الأسد المُطاح به.
خطوة نحو المحاسبة والامتثال
من المتوقع أن يلتقي أرياس بالرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، وفقًا لمصادر نقلتها وكالة رويترز. وتأتي الزيارة في وقت تبدي فيه الحكومة السورية الجديدة استعدادها للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي اتهمت منذ فترة طويلة نظام الأسد السابق بعرقلة التحقيقات حول استخدام الأسلحة الكيميائية.
ويضم وفد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فريق تحديد الهوية والتحقيق، المكلف بتحديد المسؤولية عن الهجمات الكيميائية السابقة في سوريا، بالإضافة إلى فريق تقييم الإعلان، المسؤول عن التحقق من امتثال سوريا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وقال أرياس يوم الخميس: “هذا هدف طويل الأمد لم يكن بالإمكان تحقيقه لأكثر من عقد بسبب العرقلة ونقص التعاون من قبل السلطات السورية السابقة.” وأضاف أن التحول السياسي في سوريا يتيح فرصة لتعزيز جهود المحاسبة.
تاريخ الأسلحة الكيميائية في سوريا وتحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية
انضمت سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في سبتمبر 2013، بعد قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يلزمها بتفكيك ترسانتها الكيميائية. ومع ذلك، وثّقت تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ما لا يقل عن 217 هجومًا كيميائيًا نُسبت إلى نظام الأسد بين عامي 2012 وأبريل 2024، ما أدى إلى مقتل 1,514 شخصًا، بينهم 214 طفلًا و262 امرأة.
وفي عام 2021، تم تجريد سوريا من حقوق التصويت في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في إجراء عقابي غير مسبوق بعد توثيق هجمات بغاز سام. كما حمّل تقرير صادر عن المنظمة في عام 2023 قوات الأسد مسؤولية هجوم بغاز الكلور عام 2018 أسفر عن مقتل 43 مدنيًا.
ومع الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024، جددت المنظمة جهودها لضمان امتثال الحكومة السورية الجديدة بشكل كامل. وأكد أرياس أن المنظمة مستعدة للعمل جنبًا إلى جنب مع المسؤولين السوريين من أجل “القضاء التام والدائم على برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا.”
التعاون الدبلوماسي والتقني
أقرّ السفير الروسي في هولندا والممثل الدائم لروسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فلاديمير تارابرين، بالتغيرات السياسية في سوريا، مشيرًا إلى أن المحادثات بين المنظمة والإدارة السورية الجديدة، إلى جانب المبعوث الأممي غير بيدرسن، قد فتحت مرحلة جديدة في معالجة ملف الأسلحة الكيميائية السوري.
وقد وافقت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الآن على إرسال فريق تقني إلى سوريا، حيث من المتوقع أن يعمل الخبراء السوريون جنبًا إلى جنب مع المختصين الدوليين لتسهيل الامتثال لاتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في بيان: “سوريا ملتزمة بالشفافية والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإغلاق هذا الفصل من تاريخنا.” وأضاف أن حكومته “ستدعم محاسبة جميع المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية.”
نظرة إلى المستقبل
بينما تمثل زيارة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية خطوة مهمة نحو إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي، لا تزال التحديات قائمة في ضمان المحاسبة الكاملة على الهجمات الكيميائية السابقة. وسيتحدد ما إذا كانت هذه اللحظة تمثل قطيعة حقيقية مع الماضي أو مجرد مناورة دبلوماسية بناءً على نتائج تحقيقات المنظمة ومدى التزام سوريا بتعهداتها الجديدة.