
مع تصاعد التكهنات بشأن مصير المقاتلين الأجانب في سوريا، تشير التطورات الأخيرة إلى توجّه هادئ لكن مدروس نحو الاندماج بدلاً من الترحيل، وذلك رغم المخاوف التي تبديها حكومات غربية. فقد نفت وزارة الداخلية السورية بشكل قاطع تقارير أفادت بأن قوات الأمن شنت حملة اعتقالات طالت المقاتلين الأجانب في شمال ووسط سوريا، ووصفت هذه الادعاءات بأنها “مضللة” و”لا أساس لها من الصحة”.
شائعات لا أساس لها بشأن مطالب أمريكية
جاء هذا النفي بعد اجتماع رفيع المستوى في الرياض بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وخلال القمة، حثّ ترامب على إزالة جميع المقاتلين الأجانب والفلسطينيين من سوريا كجزء من مجموعة من “الاقتراحات” الأمريكية، تضمنت أيضاً تعزيز الجهود لمنع عودة تنظيم داعش ومكافحة الإرهاب. إلا أن ترامب ولا أي من القادة الغربيين طالبوا بعمليات ترحيل قسرية، بحسب الباحث حسام الجزماتي، المتخصص في دراسة الجماعات الجهادية.
وقال الجزماتي لصحيفة الشرق الأوسط: “المطالب الأمريكية والغربية لا تتعلق بترحيل المقاتلين الأجانب، بل تركز على ضمان عدم توليهم مناصب في الدولة السورية الجديدة أو استخدامهم الأراضي السورية لشن هجمات عبر الحدود”.
الدفاع عن السوريين لا الهجوم على الخارج
ورغم المخاوف الغربية من تحول سوريا إلى ملاذ لـ”عناصر متطرفة”، أكدت دمشق أن معظم هؤلاء المقاتلين لا يشكلون تهديداً من هذا النوع. وأكد الرئيس الشرع، خلال مؤتمر صحفي في باريس إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن هؤلاء المقاتلين جاؤوا من تلقاء أنفسهم لدعم الشعب السوري أثناء الثورة، وليس لتحقيق أجندات أيديولوجية عابرة للحدود أو السيطرة على أراضٍ.
من جهته، أوضح كريم محمد، قائد في الجيش السوري وقيادي سابق في إحدى كتائب هيئة تحرير الشام، أن دور هؤلاء المقاتلين المعروفين محلياً بـ”المهاجرين” قد تطور مع الوقت، مشيراً إلى أنهم لعبوا دوراً محورياً في بدايات الثورة وما زالوا يحظون بالاحترام في صفوف الجيش والمجتمع المحلي. وقال: “لا مصلحة للحكومة باتخاذ إجراءات سلبية ضدهم… فهم ما زالوا يحظون بشعبية في قلب الجيش الجديد ووسط مناطق الثورة”.
اندماج سلمي
وبحسب مصادر محلية، فقد تم بالفعل دمج بعض هؤلاء المقاتلين في صفوف الجيش السوري الجديد أو المجتمعات المحلية. ونفى أبو حفص التركستاني، القائد السابق في الحزب الإسلامي التركستاني، المزاعم التي تفيد بأن المقاتلين الأجانب يهددون استقرار سوريا. وقال: “لم نأتِ إلى سوريا من أجل السلطة أو المال… جئنا لدعم الشعب، واحترمنا تقاليده وطريقة حياته”.
وفي حين يحذّر بعض المنتقدين من “تهديدات محتملة”، يرى كثيرون في الداخل السوري أن هذه المخاوف تتجاهل الواقع الحالي. وقال الجزماتي: “بإمكان المهاجرين البقاء في سوريا ضمن ترتيبات قانونية متفق عليها، كمدنيين فقط. فهم لم يأتوا ليحكموا، ولا ينبغي تحميلهم مسؤوليات في دولة لا ينوون قيادتها”.
ومع خروج سوريا تدريجياً من سنوات الصراع، يبدو أن الطريق أمام هؤلاء المتطوعين الأجانب يتجه نحو اندماج سلمي لا ترحيل، بهدف المساهمة في إعادة الإعمار لا إشعال الحروب من جديد.