تسير إسرائيل بحذر شديد في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في سوريا، عقب قرار الولايات المتحدة رفع العقوبات عن دمشق. هذه الخطوة، التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولته في الشرق الأوسط، تسببت بارتدادات كبيرة في المنطقة، لا سيما داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية، التي تخشى من تراجع دورها في صياغة مستقبل سوريا.
وفي حديثه للصحفيين على متن طائرة الرئاسة “إير فورس ون”، دافع ترامب عن قراره قائلاً إن لديه دعماً إقليمياً واسعاً، بما في ذلك من تركيا والسعودية. وأضاف: “لم أستشر [إسرائيل] بهذا الشأن. شعرت أنه القرار الصحيح”. كما أشاد بالرئيس السوري أحمد الشرع واصفاً إياه بأنه “كاريزمي” و”قائد حقيقي”، في إشارة إلى دعم أمريكي قوي للحكومة السورية الجديدة المعترف بها.
إسرائيل مُهمّشة دبلوماسيًا
وقد ترك هذا التحول المفاجئ إسرائيل في موقع دبلوماسي مهمّش. فقد ذكرت وكالة “رويترز” في 15 مايو أن الحكومة الإسرائيلية التزمت الصمت اللافت في ظل توجه واشنطن نحو تعميق انخراطها مع دمشق، وسعيها للتطبيع بين سوريا وإسرائيل عبر قنوات خلفية بتنسيق من الإمارات وأذربيجان. وشجّع ترامب سوريا على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام، وإخراج المقاتلين الأجانب والفلسطينيين، والالتزام بمنع عودة تنظيم داعش.
تصاعد النفوذ التركي
لكن محللين إسرائيليين يحذرون من أن هذا التوجه الأمريكي الجديد قد يعزز من نفوذ قوى إقليمية كتركيا. وأشار أمير بار-شالوم، المراسل العسكري لصحيفة “زمان إسرائيل”، إلى أن المناورات الجوية التركية الأخيرة في الأجواء السورية قد تعكس ثقة متزايدة لدى أنقرة. ووفقاً له، ترى تركيا وجودها في شمال سوريا كحق تاريخي مرتبط بالإرث العثماني، ولن تتسامح مع أي تهديدات لمصالحها هناك.
وكتب بار-شالوم في مقال ترجمته “عربي21”: “يتصرف أردوغان ليس فقط كوسيط إقليمي، بل كوصي على إرث عثماني جديد… ومع دعم تركيا للشرع وعزلة إسرائيل المتزايدة، فإن المشهد يتغير بسرعة”.
في هذا السياق، توترت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، حيث رفض أردوغان السماح لطائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعبور الأجواء التركية خلال زيارة له إلى باكو. ويرى محللون أن استراتيجية أردوغان تتضمن الضغط على إسرائيل اقتصادياً ودبلوماسياً ما لم يتم التوصل إلى اتفاق إقليمي شامل بشأن سوريا.
هل من دبلوماسية سورية-إسرائيلية؟
وتشعر إسرائيل بالقلق أيضاً من احتمالات تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية بشروط لا تستطيع تل أبيب التأثير عليها. فقد أفادت وسائل إعلام عبرية بوجود اتصالات أولية بين رجال أعمال سوريين وإسرائيليين لاستكشاف فرص استثمار بعد رفع العقوبات.
ورغم انفتاح دمشق، لا تزال تل أبيب متحفظة، إذ طالب نتنياهو بنزع السلاح من جنوب سوريا، وهو ما أثار استياءً في دمشق، دفع الحكومة السورية إلى عقد لقاءات مع قادة الطائفة الدرزية لاحتواء التوتر.
ومع تركيز واشنطن بشكل متزايد على الصفقات الاقتصادية مع دول الخليج وإعادة صياغة سياستها تجاه سوريا، يجد المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم أمام واقع متغير، يفرض عليهم التحرك في بيئة متقلبة وبنفوذ متراجع. وحتى الآن، تبدو إسرائيل محاصرة بين أنقرة الصاعدة، وواشنطن الطموحة دبلوماسيًا، ودمشق الساعية لإعادة تعريف مكانتها في المنطقة.
