
في تطوّر دبلوماسي مفاجئ، التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، مع الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم السبت 24 مايو، على هامش زيارة إلى تركيا. وقد عقد الجانبان جلسة مغلقة في إسطنبول ركّزت على تنفيذ القرارات الأمريكية الأخيرة بشأن رفع العقوبات عن سوريا وإعادة بناء العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن ودمشق.
الاجتماع، الذي حضره أيضاً وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، مثّل أرفع تواصل مباشر بين مسؤولين أمريكيين وسوريين منذ سنوات. وقد جاء في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 مايو في الرياض عن قراره إلغاء العقوبات، بما في ذلك العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، لدعم تعافي سوريا وإعادة دمجها في المنطقة.
استعادة المسارات الاقتصادية
شدد الطرفان على ضرورة إزالة العوائق الاقتصادية التي طالما أعاقت عملية إعادة الإعمار في سوريا. وامتدح الشرع ما وصفه بـ “الخطوات السريعة والتاريخية” من قبل الولايات المتحدة، مشيراً إلى قرار وزير الخارجية ماركو روبيو بتعليق العقوبات الرئيسية لمدة 180 يوماً، بالإضافة إلى إصدار وزارة الخزانة للرخصة العامة رقم 25 التي تتيح توسيع المعاملات مع القطاعين العام والخاص في سوريا.
وقال الشرع، وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة السورية: “لقد كانت العقوبات عبئاً ثقيلاً على شعبنا. ونحن مستعدون لتقديم كل التسهيلات لجذب الاستثمار وإعادة بناء بلدنا في بيئة مستقرة وآمنة”.
من جانبه، أعرب باراك عن تأييده لذلك، حيث كتب على وسائل التواصل الاجتماعي: “رفع العقوبات يفتح آفاقاً واسعة لتحقيق السلام والأمن الشاملين في المنطقة وإنهاء الصراعات والحروب”.
مناقشة الأمن والسيادة
بالإضافة إلى التعافي الاقتصادي، تناولت المحادثات التعاون الأمني المشترك. وجدد الشرع التزام سوريا بسيادتها الوطنية ووحدة أراضيها، مؤكداً كذلك على ضرورة تنفيذ اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل لتحقيق الاستقرار على الحدود الجنوبية.
ووفقاً للتقارير، اتفق الطرفان على العمل نحو إطار أمني شامل لمكافحة الخارجين عن القانون والميليشيات المسلحة وتعزيز ضبط الحدود. وشملت النقاشات أيضاً الجهود المبذولة للتخلص من ما تبقى من مخزونات الأسلحة الكيميائية، تماشياً مع الاتفاقيات الدولية.
وكان من بين القضايا الحساسة التي أُثيرت، وضع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حيث أبدى الطرفان اهتماماً بالتوصل إلى اتفاق تفاوضي لدمج هذه القوات ضمن مؤسسات الدولة السورية، واعتُبر ذلك خطوة ضرورية لإعادة بسط سلطة الحكومة وتوحيد القرار الوطني.
شخصية دبلوماسية مثيرة للجدل
يُذكر أن باراك، الذي يعد من المقربين منذ فترة طويلة للرئيس ترامب، وكان سابقاً أحد أمناء جامعة جنوب كاليفورنيا، عُيّن سفيراً للولايات المتحدة لدى تركيا في وقت سابق من هذا العام. وقد أثارت هذه التسمية بعض الجدل بسبب مشاكله القانونية السابقة، والتي حصل بموجبها على عفو رئاسي من ترامب في نهاية ولايته الأولى.
ورغم خلفيته المثيرة للجدل، بدا باراك واثقاً من النهج الجديد، قائلاً: “الاجتماع طوى صفحة العقوبات، كما أشار الرئيس ترامب. وقد أسفر عن التزام مشترك بالمضي سريعاً نحو الاستثمار والتنمية وتسويق سوريا الجديدة والمنفتحة عالمياً”.
يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت هذه اللحظة ستؤسس لتحول دائم في السياسة الأمريكية، لكن اجتماع إسطنبول يشير بوضوح إلى تحوّل ملحوظ في نبرة العلاقة بين البلدين.