
شكّل سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 نقطة تحول تاريخية في سوريا، التي عانت دمارًا شاملًا بعد 14 عامًا من الحرب. وفي محاولة لإعادة الإعمار، أعلنت الحكومة الجديدة اعتماد نموذج اقتصادي قائم على “السوق الحرة”، متخليةً عن الإرث الاشتراكي وفساد النظام السابق. إلا أن هذا التحول يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي وحماية الصناعة المحلية، لا سيما في ظل التحديات الهيكلية والعقوبات الدولية المستمرة.
دوافع التحول إلى اقتصاد السوق الحرة
في الوقت الذي تسعى فيه سوريا إلى كسر عزلتها الاقتصادية من خلال الاندماج في الأسواق العالمية، لا سيما بعد خسارة 50% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2010، ستحتاج إلى جذب الاستثمار الأجنبي. فبالإضافة إلى تحرير الاقتصاد، سيطر النظام السابق على قطاعات حيوية من خلال سياسات حمائية وفساد ومحسوبية، مما خنق المنافسة والنمو.
ومن الدوافع الأخرى للانتقال إلى نموذج السوق الحرة معالجة الأزمات الهيكلية. مع انهيار الليرة السورية وارتفاع معدلات البطالة إلى 60%، يُنظر إلى السوق الحرة كحلٍّ لتحفيز الإنتاج وخلق فرص العمل.
السلع الأجنبية تُهدد النمو المحلي
أغرقت السلع الأجنبية السوق بأسعار منخفضة، مدعومةً بالإعفاءات الجمركية، مما يُهدد الصناعات المحلية مثل المعلبات والملابس، التي لا تستطيع مواكبة الأسعار أو الجودة.
ومن بين التحديات أيضًا الإرث الاقتصادي المُدمر، بما في ذلك انهيار البنية التحتية وانعدام الاستقرار النقدي. ووفقًا لدراسة أجرتها مجموعة البنك الدولي عام 2024، “في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كبير بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي، بينما يُقدر أن تضخم أسعار المستهلك قد ارتفع بنسبة 93%، وقد تفاقم ذلك بسبب خفض الدعم الحكومي”.
إن وجود عقوبات دولية، مثل قانون قيصر الأمريكي، يُعيق إعادة الإعمار ويُحد من الاستثمار الأجنبي.
الإصلاحات المُنفَّذة وآثارها
رفعت الحكومة القيود المفروضة على تداول العملات الأجنبية، وحرَّرت سعر الصرف، مما ساهم في خفض أسعار بعض السلع بنسبة 60%، ولكنه زاد من تدفق الدولارات المزيفة.
ومن بين الإصلاحات الأخرى خصخصة الشركات المملوكة للدولة: فقد بدأت عملية نقل ملكية بعض القطاعات إلى القطاع الخاص، لكنها تواجه خطر تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة. وتهدف الإعفاءات الضريبية والجمركية إلى تشجيع الاستثمار، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى إغراق السوق بالواردات على حساب الإنتاج المحلي إذا لم يُكبح جماحها.
توصيات لنجاح عملية الانتقال
يمكن أن يكون تعزيز التشريعات الحمائية وفرض رسوم جمركية تدريجية لحماية الصناعات الناشئة، مع ضمان عدم تحولها إلى عائق أمام المنافسة، أمرًا مفيدًا. كما يُعد إصلاح المؤسسات من خلال إنشاء هيئة رقابة مستقلة لمكافحة الفساد وإصدار قوانين واضحة للمنافسة أمرًا أساسيًا.
إن التكامل الدولي من خلال التفاوض على الرفع التدريجي للعقوبات، مع ضمان الشفافية في استخدام المساعدات الخارجية، سيعزز الانتعاش الاقتصادي. وأخيرًا، دعم القطاعين الزراعي والصناعي من خلال قروض ميسرة وتحديث البنية التحتية لتعزيز الإنتاج المحلي.
إن انتقال سوريا إلى اقتصاد السوق الحر ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لإنقاذ نظام متهالك. ومع ذلك، يعتمد النجاح على توازن دقيق بين الانفتاح، وحماية السلع المحلية، وإعادة بناء الثقة من خلال إصلاحات مؤسسية جذرية.