
أصدر المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا، يوم الجمعة، فتوى دينية تاريخية تُحرّم القتل بدافع الثأر وأعمال الانتقام الشخصي، واصفةً هذه الأعمال بأنها “تهديدٌ للاستقرار المجتمعي”، وحثّ السوريين على التماس العدالة من خلال القضاء حصراً.
يأتي هذا الإعلان في لحظةٍ محوريةٍ في تعافي البلاد بعد الصراع، حيث يُصارع السوريون إرثَ ما يقرب من 14 عاماً من الحرب وموجةٍ من العنف خارج نطاق القضاء. في شهر مايو/أيار وحده، أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمقتل 157 مدنياً، بينهم 20 طفلاً، في هجماتٍ بدافع الانتقام.
في بيانٍ صدر في 6 يونيو/حزيران، حذّر المجلس من أن الثأر والعنف الانتقامي والعدالة الأهلية – التي غالباً ما تستند إلى الإشاعات أو الاتهامات الشخصية – تُخالف المبادئ الإسلامية وتُهدد بزعزعة استقرار المجتمعات الهشة أصلاً.
الشرعية الدينية للإجراءات القضائية
ردًا على استفسارات الجمهور، أكد المجلس أن الإسلام كفل للمظلوم حق التماس العدالة، ولكن فقط من خلال “الوسائل المشروعة”. وشدد على أن الجهات القضائية المعترف بها فقط هي التي يحق لها تطبيق العقوبة القانونية. وذكر المجلس أن “القصاص لا يجوز إلا للقائد أو نائبه”، مضيفًا أن أعمال الثأر الفردية محرمة شرعًا ويعاقب عليها القانون.
كما أدانت الفتوى الدعوات العلنية للانتقام، محذرة من أن مثل هذا الخطاب “يؤجج نار الفتنة ويهدد المجتمع والسلم”. وحث المجلس المسؤولين الحكوميين على عزل القضاة المرتبطين بانتهاكات النظام السابق، والإسراع في تطبيق إجراءات قضائية عادلة لاستعادة ثقة الجمهور.
الاستجابة الدولية وجهود العدالة الانتقالية
حظي الحكم بإشادة دولية. ووصفه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في منشور على منصة X بأنه “خطوة أولى عظيمة للحكومة السورية الجديدة نحو سوريا جديدة”. ويعكس هذا التأييد الاهتمام الدولي المتزايد بجهود سوريا لمعالجة عواقب عقود من الانتهاكات والتجاوزات في ظل نظام الأسد، وبدء عملية المساءلة.
في الشهر الماضي، أنشأ الرئيس أحمد الشرع الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، برئاسة عبد الباسط عبد اللطيف. وأمام الهيئة 30 يومًا لتشكيل فريق عمل يضم ممثلين عن الضحايا وخبراء قانونيين وفاعلين في المجتمع المدني. وتهدف الهيئة إلى معالجة انتهاكات الماضي وضمان عدم تكرارها، مع تعزيز المصالحة الوطنية.
إعادة البناء من خلال العدالة لا الانتقام
عزز بيان المجلس الرأي القائل بأن العدالة يجب ألا تُشكل من خلال المظالم الشخصية. وجاء في البيان: “الانتقام خارج نطاق القانون يزرع الفوضى، ويؤدي إلى الانقسام والعداء، ويدمر أسس السلم الأهلي”.
بتأسيس رسالتها على العقيدة الدينية والمسؤولية الوطنية، أرسلت أعلى سلطة إسلامية في سوريا إشارة واضحة: العدالة يجب أن تنبع من خلال المؤسسات، لا من الانفعالات. وقد يتوقف نجاح عملية العدالة الانتقالية في سوريا الآن على مدى ترسيخ هذا المبدأ.