
فُصل مئات الأطفال السوريين قسراً عن عائلاتهم ووُضعوا في دور أيتام خاضعة لسيطرة نظام الأسد خلال الثورة التي استمرت لأكثر من عقد، وفقاً لتحقيقٍ نشرته صحيفة وول ستريت جورنال يوم السبت. ويكشف التقرير، الذي يستند إلى وثائق أمنية مُسربة وشهادات ناجين، أن نظام الأسد استخدم الأطفال كوسيلة ضغط على العائلات السورية، كجزء من حملة قمع أوسع نطاقاً بين عامي 2011 و2018.
ووفقاً للصحيفة، نُقل ما لا يقل عن 300 طفل إلى دور أيتام بين عامي 2014 و2018، على الرغم من أن ما يصل إلى 3700 طفل لا يزالون في عداد المفقودين بعد احتجازهم أو فصلهم خلال حملات اعتقال ومداهمات جماعية. ويُظهر التحقيق كيف استُدرجت المؤسسات الحكومية في نظام مُنسق للاختفاء ومحو الهوية والإكراه.
اختفاء عائلة وعقد من الصمت
من بين أكثر القصص المروعة قصة عائلة ياسين. في عام ٢٠١٣، اعتقلت قوات الأمن رانيا العباسي، طبيبة أسنان وبطلة وطنية سابقة في الشطرنج، مع أطفالها الستة. وكان زوجها، عبد الرحمن ياسين، قد اختُطف سابقًا وتعرض للتعذيب حتى الموت على يد نظام الأسد. وظهرت صور جثته لاحقًا ضمن صور سرّبها عسكري منشق.
لأكثر من عشر سنوات، ظل مصير العائلة مجهولًا. وقد اعتمدت الجهود الأخيرة لتحديد مكان الأطفال المفقودين على تقنية التعرف على الوجوه المدعومة بالذكاء الاصطناعي، استنادًا إلى مقاطع فيديو قديمة من دور الرعاية، وألمحت إلى أن الأطفال ربما كانوا محتجزين في منشآت حكومية. ومن بين الحالات المحتملة فتاة ظهرت في مقطع دعائي تُشبه ابنة العباسي، ديما، على الرغم من أن قرى الأطفال SOS سوريا نفت هذه الصلة.
التواطؤ والعرقلة المؤسسية
أكدت قرى الأطفال SOS سوريا استقبالها ١٣٩ طفلًا “بدون أوراق رسمية” طوال فترة النزاع السوري. على الرغم من أن المنظمة دعت إلى وضع حدٍّ لمثل هذه الإحالات في عام ٢٠١٨، إلا أن معظم الأطفال غير المسجلين أُعيدوا إلى سلطات النظام، مع بقاء مصيرهم وهوياتهم مجهولة. في حالة واحدة على الأقل، استبعد فحص الحمض النووي وجود تطابق محتمل مع ابن عائلة ياسين المفقود، أحمد.
تشير الوثائق إلى أن عمليات النقل أُذن بها من أعلى مستويات الأجهزة الأمنية. أقرّ سعد الجابري، المتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق، بوجود توجيهات تأمر بمثل هذه الإجراءات، مع أنه أشار إلى أن العديد من السجلات تفتقر إلى التحقق الرسمي.
أكدت براء الأيوبي، مديرة دار الرحمة للأيتام، استلام أطفال المعتقلين، لكنها نفت احتجاز أطفال العباسي. وأضافت أنها مُنعت من الكشف عن هوياتهم بأوامر أمنية.
طريق طويل نحو الحقيقة والمساءلة
بعد سقوط نظام الأسد، تعهّدت الحكومة الانتقالية السورية بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان هذه. في أبريل/نيسان، أعلن الرئيس أحمد الشرع عن تشكيل الهيئة العامة للمفقودين. لكن الخبراء يحذرون من أن التقدم سيكون بطيئًا.
وقالت كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية لشؤون المفقودين: “إن الفشل في حل هذه القضايا يُرسّخ الأسباب الجذرية للعنف. لا يمكن تحقيق العدالة دون كشف الحقيقة”.
في منزل عائلة ياسين المهجور، عثرت نائلة، شقيقة رانيا، على دفاتر ملاحظات قديمة. في أحدها، كتبت نجاح الصغيرة رسالة: “سنبقى في سوريا حتى ترحل يا بشار”.