
في تطور هو الأول من نوعه منذ 16 عامًا، اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارة تاريخية إلى دمشق، ناقشت خلالها خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي ومواجهة التحديات الهائلة التي خلّفتها سنوات من الصراع، مع السلطات السورية الجديدة.
تحديات جسيمة وواقع مؤلم
وصف البيان الصادر عن البعثة، برئاسة رون فان رودن، الوضع في سوريا بأنه مأساوي، إذ اتسم بتدهور اقتصادي حاد، ونزوح أكثر من 13 مليون شخص – أي ما يقرب من نصف سكان سوريا – وانهيار كامل في الناتج المحلي الإجمالي، ومستويات فقر غير مسبوقة. كما أشارت البعثة إلى الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية، وضعف مؤسسات الدولة، وتعطل الخدمات الأساسية الضرورية لحياة كريمة.
خارطة طريق للإصلاح واعتراف دولي
أكد الصندوق أن السلطات السورية الجديدة “ملتزمة باستعادة النمو الاقتصادي وتحسين مستويات معيشة الشعب”، معربًا عن قناعته “بعزمها على اتباع سياسات اقتصادية سليمة”. وأشار البيان إلى أن هذه الخطوات تُشكل أساسًا ضروريًا لتحقيق انتعاش اقتصادي مستدام، لا سيما مع عودة اللاجئين.
ركزت مناقشات البعثة على الأولويات قصيرة الأجل، بما في ذلك الإدارة المالية من خلال اعتماد الميزانية المتبقية لعام 2025، وتعبئة الإيرادات من خلال تحديث أنظمة الضرائب والجمارك، وتعزيز الرقابة المالية.
كما تضمنت خارطة الطريق الاستقرار النقدي من خلال تمكين المصرف المركزي من ضمان استقرار الأسعار واستعادة الثقة بالليرة السورية، واعتماد إطار نقدي جديد، وإصلاح القطاع المصرفي من خلال إعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية، وتعزيز مكافحة غسل الأموال، والسعي إلى إعادة التواصل مع النظام المالي الدولي.
وتشمل الأولويات الأخرى دعم الخدمات الأساسية من خلال ضمان تمويل رواتب الموظفين الحكوميين، وخدمات الصحة والتعليم، ومساعدة الفئات الأكثر ضعفًا. كما يُعد تحسين مناخ الأعمال من خلال معالجة العقبات التي تعترض نمو القطاع الخاص القائم على السوق وجذب الاستثمار، أمرًا أساسيًا لتحقيق النمو. وأخيرًا، تعزيز البيانات من خلال إعادة بناء قدرة المكتب المركزي للإحصاء على توفير الدعم بالبيانات اللازمة لصنع السياسات.
نداء دولي عاجل والتزام من صندوق النقد الدولي
حذّر صندوق النقد الدولي من أن نجاح هذه الجهود “سيتطلب دعمًا دوليًا قويًا”، مشددًا على ضرورة تقديم الدعم المالي بشروط ميسرة للغاية نظرًا للقيود المالية الخارجية الصعبة التي تواجهها سوريا. كما شدد على بناء القدرات من خلال تقديم مساعدة فنية واسعة النطاق عبر تحديث المؤسسات الاقتصادية الرئيسية (التمويل، والبنك المركزي، والإحصاء) والأنظمة القديمة.
أعلن صندوق النقد الدولي عن بدء العمل مع السلطات السورية لوضع “خارطة طريق مفصلة” للإصلاح وبناء القدرات، مشددًا على التنسيق الوثيق مع شركاء التنمية الآخرين لضمان دعم فعال يأخذ في الاعتبار القدرات الاستيعابية الحالية.
تمثل هذه الزيارة، وهي الأولى منذ عام 2009، إشارة مهمة على تجدد التواصل مع سوريا في المجتمع المالي الدولي. ومع ذلك، فإن نجاح أي إصلاح يعتمد على ترجمة النوايا الدولية الإيجابية إلى دعم ملموس يساعد السوريين على تجاوز سنوات الدمار.