
في مؤتمر صحفي عُقد يوم الثلاثاء 10 حزيران/يونيو، أوضح مسؤولون سوريون أن الإفراج عن ضباط سابقين في النظام يُعد خطوة ضرورية من أجل “السلم الأهلي”، في حين انتقدت منظمات حقوقية هذه الخطوة، إذ لا يزال العديد من الضحايا يطالبون بالعدالة.
“إجراءات بناء ثقة” أم إفلات من العقاب؟
أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن نحو 123 ألف عنصر من النظام السابق متورطون في جرائم ضد السوريين، لكنه أشار إلى أن بعض الضباط الذين تعاونوا لاحقاً مع قوى الثورة يستحقون التخفيف. وقال: “هؤلاء الأفراد حيّدوا وحدات عسكرية، مما سرّع تحرير سوريا”، مشيراً إلى أنهم ساهموا في تجنب إراقة الدماء خلال عملية “رد العدوان” التي انتهت بتحرير البلاد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتحدث حسن صوفان، عضو في هيئة السلم الأهلي، مؤيداً لذلك، وقال إن الضباط المفرج عنهم سلّموا أنفسهم طوعاً وخضعوا لتحقيقات لم تثبت ارتكابهم جرائم حرب. وأضاف: ” الإبقاء عليهم محتجزين لم يكن يستند إلى أساس قانوني”، واصفاً الإفراج عنهم بأنه “إجراء لبناء الثقة”، مع تأكيده أن ذلك “لا يشكل بديلاً عن العدالة الانتقالية”.
انتقادات حذرة
انتقد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، القرار، محذراً من أنه “يغذي مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام”. وقال لقناة تلفزيون سوريا إن الإفراج دون إشراف قضائي “يقوض ثقة الضحايا بالعدالة”، مستشهداً بحالات مثل فادي صقر، القائد السابق لقوات الدفاع الوطني، والمتهم بارتكاب مجازر. وأضاف: “الحكومة لا تملك صلاحية تجاوز القضاء”، مطالباً بمحاكمة جميع الجناة.
من جهته، أقر وزير الإعلام، حمزة المصطفى، بوجود ردود فعل غاضبة، لكنه شدد على أن الإفراجات “مؤقتة”. وقال: “نحن نفرّق بين السلم الأهلي والعدالة”، متعهداً بإطلاق خارطة طريق للعدالة الانتقالية قريباً. ورغم جهود الحكومة، لا يزال منتقدون كعبد الغني متشككين، محذرين من أن غياب الشفافية قد يؤدي إلى “دورة عنف جديدة” – وهو تحدٍ يعترف به المسؤولون في ظل المشهد السوري الهش بعد الحرب.
موازنة الاستقرار والمساءلة
تواجه الحكومة ضغوطاً متزايدة للجمع بين متطلبات الاستقرار والمحاسبة. وتعهد البابا باسترداد الأموال المنهوبة ومحاكمة مجرمي الحرب عبر الإنتربول، بينما أقر صوفان بأن الإفراجات “ليست مثالية، لكنها ضرورية في الوقت الراهن”.
وتصر الحكومة على أن نهجها المزدوج – التركيز على الاستقرار قصير المدى مع الوعد بتحقيق العدالة على المدى الطويل – هو الطريق الواقعي الوحيد للمضي قدماً. واعتبر المصطفى أن الإفراج عن الضباط هو “إجراء إسعافي” لمناطق مثل الساحل، حيث لا تزال التوترات مرتفعة. وقال: “لا يمكننا بناء دولة وسط صراع دائم”، مشيراً إلى خطر التدخل الخارجي إذا ما ظهرت مؤسسات الدولة بمظهر الضعف أو الانقسام.
وأوضح صوفان أن جهود السلم الأهلي – بما في ذلك المصالحات المجتمعية والمفاوضات غير العلنية – تشكل تمهيداً لتحقيق العدالة لاحقاً. وقال: “البيئة المضطربة لا تضمن محاكمات عادلة ولا تعويضات”، مشيراً إلى أن عمل لجنة السلم الأهلي غير العلني منع اندلاع مواجهات في عدة مناطق. وتسعى الحكومة أيضاً لتجنب أخطاء المحاكمات المتسرعة؛ حيث استشهد المصطفى بنموذج جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري، الذي سبقت فيه المحاكمات عن التحقيقات.
ويقر المسؤولون بحساسية الوضع. فقد وصف المصطفى الإفراج عن فادي صقر بأنه “إشكالي”، وقال إن الغضب الشعبي قد يفرض تعديلات في السياسة. من جهته، شدد البابا على أن العدالة الانتقالية ستشمل جميع الجرائم في نهاية المطاف، وأن الأصول المستردة ستُستخدم في تعويض المتضررين. ولن يضيع حق أي سوري.