
مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مفتوحة، تجد سوريا نفسها مجددًا، بشكل أو بآخر، ساحة معركة للقوى الأجنبية. على مدار الأيام الماضية، اهتزت مدن جنوب سوريا بشظايا الصواريخ، واعتراضات الطائرات المسيرة، والغارات الجوية، مما زاد من خطر استهداف المدنيين المنهكين أصلًا جراء 14 عامًا من الحرب والصراع.
في محافظتي درعا والقنيطرة، اعترضت الطائرات الحربية الإسرائيلية ما لا يقل عن خمس طائرات مسيرة إيرانية، بالإضافة إلى عدة صواريخ. يزعم الجيش الإسرائيلي أن الهجمات هي ضربات استباقية ضد مواقع إيرانية، بينما تستخدم كل من إيران وإسرائيل المجال الجوي السوري لشن هجماتهما. ومع ذلك، يتزايد خطر استهداف المدنيين السوريين في ظل تصاعد الاشتباكات.
قالت أم خالد، وهي مزارعة من قرية الرفيد، لقناة تلفزيون سوريا: “سمعت صوتًا مرعبًا أعقبه اهتزاز قوي، ثم رأينا سحبًا من الدخان”. وتقول أم خالد، إن الدفاعات الإسرائيلية أسقطت طائرة مسيرة بالقرب من مزرعتها. واشتعلت حرائق في حقول القمح والفواكه التي تملكها عائلتها. وأضافت: “كل ما نطلبه هو أن نعيش بأمان، بعيدًا عن هذه الصراعات التي لا دخل لنا فيها”.
يُعطّل الصراع الدائر أيضًا قطاعات أساسية كالزراعة. فقد أتت الحرائق الناجمة عن تساقط الشظايا على المحاصيل خلال موسم الحصاد. وتعمل فرق الدفاع المدني، المنتشرة في شمال سوريا في تل أبيض ورأس العين، على مدار الساعة لحماية الأراضي الزراعية. وصرحت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، التي تُنسّق مع السلطات المحلية، قائلةً: “حماية المحاصيل الزراعية أولوية وطنية”.
سوريا ضحية مرتين
منذ عام ٢٠١١، كانت سوريا حليفًا استراتيجيًا وساحة معركة لإيران، التي احتلت واستغلت أجزاءً كثيرة من البلاد في عهد نظام الأسد. بدورها، استهدفت إسرائيل مرارًا وتكرارًا المواقع الإيرانية على الأراضي السورية، مُدّعيةً الدفاع عن النفس، وواصلت غاراتها الجوية واحتلالها منذ سقوط الأسد. وقد عرّضت هذه الديناميكية سيادة سوريا للخطر، وجعلت سكانها عرضة للخطر.
أدان توم باراك، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، دور إيران، قائلاً يوم السبت إن “عمليات القتل الوحشية التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني في سوريا تركت ندبة على جبين الإنسانية”. وحثّ على العودة إلى الدبلوماسية، مستشهدًا بمثلٍ للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان يؤكد على ضبط النفس والحوار. في هذه الأثناء، تراقب القوى العالمية الوضع بحذر. ألغى وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول زيارته إلى سوريا بسبب مخاوف من التصعيد.
أمة في خطر متجدد
يواجه السوريون الآن خطرًا متجددًا بأن يصبحوا ساحة معركة بالوكالة في صراع يهدد بالامتداد إلى ما وراء حدودهم. حثّ وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري، رائد الصالح، المدنيين على البقاء في منازلهم وتجنب ملامسة الأنقاض. وحذّر قائلًا: “لا تلمسوا الأجسام الغريبة”، مسلطًا الضوء على خطر الذخائر غير المنفجرة.
وفي ظل غياب أي حل في الأفق وتعثر الدبلوماسية، تظل سوريا محاصرة ــ حرفيا ورمزيا ــ بين قوتين معاديتين، ويضطر شعبها إلى التعامل مع تداعيات صراع لم يبدأه ولم يتحكم فيه.