
في خطوةٍ رمزيةٍ للغاية، شارك البنك المركزي السوري في اجتماع حوار مالي رفيع المستوى عبر الفيديو، نظمه مجلس الأعمال السوري الأمريكي من واشنطن. وحضر الاجتماع، الذي يُعدّ علامةً فارقةً في العلاقات السورية الأمريكية، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، وممثلون عن بنوك أمريكية ودولية وسورية بارزة، بالإضافة إلى ممثلين عن بعثتي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في سوريا.
المال: جسرٌ للسلام والازدهار
ألقى عبد القادر الحصرية، حاكم بنك سوريا المركزي، كلمةً رئيسيةً بعنوان “المال ليس مجرد أرقام… بل جسرٌ للسلام والشراكة والازدهار”. وأعرب الحصرية عن رؤيةٍ طموحةٍ لمرحلةٍ جديدةٍ من التعاون المالي البنّاء بين دمشق وواشنطن، معتبراً مشاركة السفير باراك تعكس “التزاماً حقيقياً بالحوار والتفاهم المتبادل”.
لغةٌ مشتركةٌ مبنيةٌ على الثقة والإصلاح
استند الحصرية في اقتراحه إلى خبرته المهنية الواسعة، التي امتدت لأكثر من عقدين من الزمن في شركات استشارية عالمية، بالإضافة إلى برنامج القيادة الدولية للزوار في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٨. ودعا إلى إرساء “لغةٍ ماليةٍ مشتركة” ترتكز على ثلاثة ركائز أساسية: الشفافية المطلقة، والأخلاقيات العالية، والانضباط التنظيمي الصارم. وأكد أن سوريا اليوم على أعتاب “مرحلة إعادة إعمارٍ جادة” تمتلك أسساً واعدةً للنمو الاقتصادي المستدام.
إصلاحات جريئة وضمانات عملية
حدد الحصرية محاور رئيسية لإصلاح النظام المالي السوري وتعزيز الثقة الدولية. أولًا، تعزيز مكافحة الجرائم المالية من خلال تحديث الإطار القانوني والفني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفقًا لأعلى المعايير الدولية.
ثانيًا، ضمان استقلالية الوحدة المالية من خلال تعزيز استقلالية وكفاءة وحدة الاستخبارات المالية (FIU) لرصد الأنشطة المشبوهة. ثالثًا، بناء القدرات من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة لمسؤولي الامتثال في المؤسسات المالية السورية.
دعوة صريحة للبنوك الأمريكية
وجه الحصرية دعوة مباشرة للبنوك الأمريكية لإعادة النظر في إقامة علاقات مراسلة مصرفية مع نظيراتها السورية، واستكشاف فرص فتح مكاتب تمثيلية أو إقامة شراكات داخل سوريا.
وأكد استعداد مصرف سورية المركزي للعمل “بشفافية وانفتاح” لضمان الامتثال الكامل وبناء جسور الثقة، واصفًا العلاقات المصرفية بأنها ليست مجرد تحويلات مالية، بل هي “إعادة بناء الثقة، ودعم التجارة المشروعة، وخدمة الحياة اليومية للمواطنين”.
نافذة على المستقبل
اختتم الحصرية كلمته بتفاؤل طويل الأمد، داعيًا إلى تجاوز “الهواجس قصيرة الأجل نحو فرص طويلة الأجل”. ووصف المؤسسات التي بادرت بالتعاون اليوم بأنها شركاء فاعلون في رسم مستقبل مصرفي عصري، منفتح، وقائم على الثقة. وشكر جميع المشاركين في “الاجتماع البنّاء”، معربًا عن تطلعه إلى استمرار الحوار باعتباره “الخطوة الأولى في كتابة فصل جديد في العلاقات الاقتصادية السورية الأمريكية”.