
تواجه سوريا أسوأ موجة جفاف منذ عقود، حيث تدفع ندرة المياه البلاد نحو أزمة زراعية وأمنية غذائية حادة. تُحذر وكالات الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي، من أن شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة قد أديا إلى أخطر نقص في المياه منذ عام 1989، مما يُعرّض ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على الزراعة المحلية للخطر.
محطة مياه علوك لا تزال متوقفة عن العمل
تتفاقم الأزمة بشكل خاص في شمال شرق سوريا، حيث لا يزال أكثر من مليون شخص في الحسكة والمناطق المجاورة بدون مصدر مياه مستقر بسبب توقف محطة مياه علوك. المحطة متوقفة عن العمل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسط خلافات مستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية (SDF) والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. وقد أعاق انقطاع التيار الكهربائي، وتضرر البنية التحتية، وضعف التنسيق بين القوات المسيطرة، محاولات إعادة تشغيل المحطة.
في 24 يونيو/حزيران، زار وفد مشترك من اليونيسف واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومديرية الموارد المائية السورية المحطة لتقييم حالتها. ووفقًا لمصدر أممي في الحسكة، لا يمكن للمحطة العمل بدون كهرباء من تركيا، إذ لا تزال مصادر الطاقة السورية غير موثوقة بسبب الأضرار الناجمة عن النزاع. ووصفت اليونيسف إعادة تأهيل المحطة بأنها “خطوة حيوية نحو إعادة توفير المياه النظيفة” لآلاف السكان المحتاجين.
تعثّر الإنتاج الزراعي
كما شلّ الجفاف القطاع الزراعي في سوريا. ففي المحافظات الشمالية الشرقية، التي كانت تُنتج 70% من المحاصيل الاستراتيجية في سوريا، أدى انخفاض هطول الأمطار إلى تدمير حقول القمح والمحاصيل البعلية. ووفقًا لوزارة الزراعة، لم تشهد بعض المناطق، مثل القامشلي، سوى 80 ملم من الأمطار هذا العام، مقارنةً بالمتوسط السنوي المعتاد البالغ 415 ملم. ووفقًا لتقديرات محلية، أُعلن عن خسارة معظم الأراضي الزراعية البعلية، والبالغة مساحتها مليوني هكتار.
رغم صمود الأراضي المروية، إلا أنها تأثرت بارتفاع أسعار الديزل، ومحدودية الدعم الحكومي، وتراجع ثقة المزارعين بوعود الدعم. يقول مزارعو الحسكة إن أسعار القمح لهذا العام لا تغطي تكاليف الإنتاج، مما يزيد من تهديد الدخل الريفي وتوافر الغذاء.
إجراءات الري الطارئة غير كافية
في حماة، أطلقت إدارة الموارد المائية دفعة ثالثة من مياه سد الرستن لري بساتين الفاكهة وإزالة الرواسب من نهر العاصي. وأشار المسؤولون إلى انخفاض في مخزون السد إلى 40 مليون متر مكعب فقط بعد موسم جفاف هو الأشد منذ سنوات. وتشهد درعا تحديات مماثلة، حيث أجبر استنزاف المياه الجوفية وحفر الآبار غير القانوني السلطات على البدء في إغلاق الآبار والبحث عن حلول طارئة.
البحث عن حلول مدفوعة بالمناخ
لمواجهة التحديات طويلة الأمد، كرمت لجنة الإنقاذ الدولية مؤخرًا المهندس الروسي يوري بودروف لتصميمه نظام ري يعمل بالطاقة الشمسية، يتكيف مع مناخ سوريا الجاف. وتُجري اللجنة وشركاؤها حاليًا اختبارات ميدانية على النموذج الأولي مع المزارعين السوريين.
مع وجود حلول مؤقتة فقط، يحذر الخبراء من أن الاستثمار المستدام والتعاون والبنية الأساسية المقاومة لتغير المناخ ستكون ضرورية لمنع انتشار الجوع على نطاق واسع في مستقبل سوريا.