
في خطوة تاريخية تُمثل انتقال سوريا من عقود من الحكم الاستبدادي، أنشأ الرئيس أحمد الشرع اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، المكلفة بتنظيم أول انتخابات برلمانية في البلاد منذ أكثر من عقد. تهدف هذه الخطوة إلى إحياء الحياة التشريعية الراكدة في سوريا، والشروع في تشكيل حكومة تمثيلية بعد انهيار نظام الأسد.
يحدد المرسوم الرئاسي الذي يجيز إنشاء اللجنة نظامًا هجينًا لانتخاب المجلس التشريعي السوري الجديد المكون من 150 عضوًا. سيتم انتخاب ثلثي الممثلين من خلال هيئات انتخابية محافظاتية مُشكلة حديثًا، بينما يُعين الرئيس الثلث المتبقي، كما هو منصوص عليه في الإعلان الدستوري الانتقالي.
عملية هشة في بلد لا يزال منقسم
في حين أن إنشاء اللجنة يُشير إلى العودة إلى العمل السياسي المؤسسي، إلا أن الطريق أمامها مُعقّد. لا يزال جزء كبير من شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، بما في ذلك أجزاء من الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب. تُشكّل هذه المناطق، التي لم تُدمج بالكامل بعد في الإطار السياسي الوطني، عقبة رئيسية أمام إجراء انتخابات على مستوى البلاد.
ونظرًا لهذه الحقائق، تعمل اللجنة على تطوير نظام انتخابي مؤقت، يختلف عن إجراءات التصويت التقليدية. ووفقًا لبيان صادر في 28 يونيو/حزيران، يُراعي هذا النهج النازحين، والفجوات القانونية، والتدمير الواسع النطاق للسجلات المدنية. والهدف هو تحقيق التوازن بين التمثيل العادل والحوكمة العملية خلال فترة انتقالية من المتوقع أن تستمر خمس سنوات.
إشراك المجتمعات في الإصلاح
خلال الأسبوع الماضي، عقدت اللجنة جلسات في جميع أنحاء البلاد لجمع آراء الجمهور. وفي حمص، بتاريخ 26 يونيو/حزيران، اجتمع قادة سياسيون وأكاديميون واجتماعيون لمناقشة أهلية الناخبين والتحضيرات اللوجستية. عُقدت اجتماعات مماثلة في اللاذقية في 29 يونيو/حزيران، بمشاركة شخصيات من المجتمع المدني، ورجال دين، وخبراء اقتصاديين.
تهدف مشاورات اللجنة إلى تحسين معايير الترشيح والتمثيل، وتوزيع المقاعد، وجدول الانتخابات. ويظل التواصل مع المحافظين، والسلطات المحلية، ووجهاء المجتمع، محوريًا لبناء الثقة في عملية لا يزال الكثير من السوريين يحذرون منها. بالنسبة للبعض، أثار قرار الاحتفاظ باسم “مجلس الشعب” – وهو من مخلفات الحكم البعثي – مخاوف من أن الهيئة الجديدة قد تُكرر آليات السيطرة القديمة.
أصداء تاريخية وتوقعات جديدة
يعود التقليد البرلماني السوري إلى أكثر من قرن، وتحديدًا إلى تأسيس المؤتمر السوري عام 1919، وهو إحدى أقدم تجارب الحكم التمثيلي في العالم العربي. وقد تعطل هذا الإرث مرارًا وتكرارًا بسبب الانقلابات، والتدخل الاستعماري، وفي نهاية المطاف عقود من هيمنة الحزب الواحد في عهد حافظ وبشار الأسد.
أثارت عودة النشاط إلى مجلس الشعب حنينًا وشكوكًا في آنٍ واحد. كان هذا الهيكل رمزًا للطموح الوطني، ثم للعجز السياسي، وهو الآن رمزٌ للأمل لمن يحلمون ببناء نظام جديد تمامًا.
لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه العملية ستؤدي إلى هيئة تشريعية تمثيلية حقيقية. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من السوريين، فإن مجرد التحضير للانتخابات – في ظل رئيس جديد وإطار قانوني جديد – هو خطوة طال انتظارها نحو مستقبل تُشكله الانتخابات لا الاستبداد.