
شنت الحكومة السورية سلسلة اعتقالات بارزة تهدف إلى محاسبة شخصيات من النظام السابق متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين. تشير هذه الحملة إلى جهود متزايدة من جانب قيادة ما بعد الأسد للوفاء بوعود العدالة.
أكدت السلطات هذا الأسبوع اعتقال العقيد عمار محمد عمار، الضابط السابق في جهاز أمن الدولة سيئ السمعة. يُتهم بالإشراف على التعذيب والاختفاء القسري أثناء خدمته في فرعي الخطيب والأربعين، وهما مركزان لطالما ارتبطا بالانتهاكات الممنهجة خلال حكم الأسد. نفذت قيادة الأمن الداخلي في اللاذقية عملية الاعتقال بالتنسيق مع الفرقة 50 التابعة لوزارة الدفاع، وفقًا لبيان نشرته وسائل إعلام رسمية.
الاعتقالات تشمل وزراء وضباطًا سابقين
أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال العميد رياض حمدو الشحادة، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في دمشق. واتهمه المسؤولون بالسماح بعمليات اعتقال جماعية وإعدام مدنيين خلال الثورة السورية. ويأتي اعتقاله في أعقاب اعتقال عدد من كبار الضباط السابقين، منهم العميد دعاس حسن علي، والعميد رامي منير إسماعيل، والعميد موفق نذير حيدر.
صرح قائد الأمن الداخلي في اللاذقية، عبد العزيز الأحمد، بأن الاعتقالات جاءت بعد “عمليات نوعية” كشفت عن أدلة دامغة على انتهاكات. وأضاف: “تبين أن هؤلاء الأفراد متورطون بشكل مباشر في انتهاكات ممنهجة، بما في ذلك التعذيب والإخفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء”.
اعتُقلت وزيرتا الشؤون الاجتماعية والعمل السابقتان كندة شماط وريما القادري لدورهما المزعوم في الاختفاء القسري للأطفال المنفصلين عن آبائهم المحتجزين. ولطالما أفادت منظمات حقوق الإنسان باختفاء آلاف الأطفال بعد إيداعهم في مؤسسات الدولة في ظل النظام السابق. أُقيلت الشماط في عام 2020 بعد رد فعل شعبي عنيف على علاقاتها بشخصيات عسكرية مثيرة للجدل.
المساءلة تشمل الانتهاكات الحالية
لا تقتصر حملة الحكومة على الجرائم الماضية. ففي 8 يوليو/تموز، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال عنصر أمن مُعيّن حديثًا صُوّر وهو يطلق النار على سائق حافلة (سرفيس) في دمشق. ويواجه هذا العنصر الملاحقة القضائية والفصل. وقد أثارت هذه الحادثة، التي انتشرت على نطاق واسع عبر الإنترنت، احتجاجًا شعبيًا سريعًا. وأكدت الوزارة “رفضها المطلق لأي انتهاكات تمس كرامة المواطنين أو هيبة الدولة”.
وفي خطوة أوسع نطاقًا، فصلت الحكومة 200 عنصر من عناصر الأمن الداخلي في محافظة درعا في وقت سابق من هذا الشهر لسوء السلوك. كما أطلقت شبكة من مكاتب الشكاوى للمواطنين للإبلاغ عن انتهاكات عناصر الأمن، حيث افتُتح أول فرع في دمشق، ومن المقرر افتتاح فروع أخرى في حلب واللاذقية وحمص ودير الزور.
تحول نحو الإصلاح
تعكس الاعتقالات والإصلاحات سعي الحكومة لمواجهة الإفلات من العقاب في الماضي وإرساء معيار جديد للمساءلة. وصرح المتحدث باسم الوزارة، نور الدين البابا، بأن إعادة هيكلة الأمن الداخلي تهدف إلى “تصحيح إخفاقات الماضي وتعزيز المهنية”.
مع خروج البلاد من سنوات الصراع، تُمثل هذه الإجراءات تحولاً حاسماً عن سياسات الترهيب والسلطة المطلقة التي ميّزت عهد الأسد. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الإجراءات ستحقق عدالة طويلة الأمد، أما السوريين فيراقبون عن كثب.