تصاعدت حدة التوتر في محافظة السويداء جنوب سوريا، بعد سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة بين مسلحين دروز وعشائر بدوية، لتتطور إلى مواجهات دامية سقط فيها العشرات، وسط عرقلة جهود الدولة لبسط سلطتها من قبل بعض المجموعات المسلحة في المحافظة، وأبرزها تلك التابعة للرئيس الروحي لطائفة الدروز حكمت الهجري.
البداية: اختطاف يفتح أبواب الفوضى
بدأت الشرارة يوم الجمعة 11 تموز 2025، عندما اختُطف أحد الباعة من الطائفة الدرزية على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، في حادثة غامضة اتُهمت فيها بعض المجموعات المسلحة البدوية بالوقوف وراءها رغم نفي الأخيرة لهذه الاتهامات.
ردّت مجموعات درزية مسلحة على الحادثة باختطاف عشرة شبان من عشائر البدو في محافظة السويداء، في عملية وُصفت بـ”الانتقامية”.
لاحقًا، اختطفت عشائر البدو عشرة شبّان دروز في عملية مضادة، للضغط على الجهة الخاطفة وإطلاق سراح أبنائهم، ليدخل الطرفان في دوامة من الخطف والخطف المضاد، تُنذر بانفجار خطير.
هجوم على المقوس: تصعيد دموي من جانب واحد
وفي تطور خطير، شنت مجموعات مسلحة درزية، محسوبة على حكمت الهجري، هجومًا واسعًا على بلدة المقوس ذات الأغلبية البدوية، فجر يوم السبت.
أفاد شهود عيان أن الهجوم تخلله اقتحام منازل، واختطاف مدنيين، وإعدامات ميدانية لعدد من شبان البلدة، إضافةً إلى إحراق منازل وتهجير قسري للعائلات.
اشتباكات دامية ومناشدات لتدخّل الدولة
استمرت الاشتباكات المسلحة لأكثر من 48 ساعة بين الطرفين، استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة وقذائف RPG، وأسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصًا وإصابة 100 آخرين، بحسب مصادر طبية وشهود.
بسبب تصاعد الاشتباكات وخروج الوضع عن السيطرة، ناشد أهالي السويداء الدولة للتدخل العاجل لحمايتهم. كما طالب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حمود الحناوي الرئيس أحمد الشرع بضرورة التدخل، حيث قال: “نتوجه بنداء خاص إلى رئيس الجمهورية أحمد الشرع ونقول لتكن لكم اليد البيضاء في وأد الفتنة وكف يد العبث”.
على إثر ذلك، تدخلت وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الدفاع، وأرسلت تعزيزات أمنية إلى مناطق الاشتباكات.
حيث أعلنت وزارة الداخلية السورية: “قواتنا ستبدأ بالتنسيق مع وزارة الدفاع التدخل المباشر لوقف الاشتباكات في السويداء”.
إلا أن قوات الأمن والجيش فوجئت بهجوم مباشر من مجموعات درزية مسلحة أثناء محاولتها دخول مناطق التوتر، ما أدى إلى مقتل 6 عناصر، وإصابة عدد آخر، بحسب مصدر في وزارة الدفاع.
وفي غضون ذلك تواصل قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع ملاحقة المجموعات الخارجة عن القانون وتطهير المناطق وبسط الأمن فيها.
وقد صرح المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، بأنه من المتوقع أن يُحسم أمر المحافظة عصر اليوم الإثنين.
خلفية الأزمة: مجموعات مسلحة تُصر على عدم دخول مؤسسات الدولة وبسط سلطة القانون
تُصر بعض المجموعات المسلحة المرتبطة بحكمت الهجري على عرقلة محاولات الدولة بسط سلطتها على المحافظة.
وفي تكرار لمطالبها القديمة المتجددة، أعلنت القيادة الروحية لطائفة الموحدين الدروز اليوم:
“نطالب بالحماية الدولية بشكل عاجل، ونرفض دخول قوات الأمن، ونحمل المسؤولية الكاملة لكل من يشارك في الاعتداءات أو يسهل دخول قوات الأمن لمناطقنا”.
يُشار إلى أن هذه المجموعات ترفض أي وجود أمني أو إداري رسمي في مناطق نفوذها، وتفرض قوانينها الخاصة، ما أدى إلى تصاعد الفلتان الأمني خلال الأشهر الماضية.
إن الأحداث الأخيرة في السويداء تُظهر هشاشة البنية الأمنية، وعمق الخلل الناجم عن تقاعس بعض القيادات المحلية عن دعم مؤسسات الدولة، ورفضها الصريح للامتثال إلى القانون.
وفي وقتٍ تتسابق فيه القوى الحكومية والمجتمع المحلي لتطويق الأزمة، تبقى المحافظة على حافة نزاع أهلي أوسع، ما لم يُتخذ قرار حاسم بنزع سلاح المجموعات المسلحة، وإعادة الاعتبار لسلطة الدولة والمؤسسات القضائية.
