
في أول اجتماع رفيع المستوى منذ سقوط الديكتاتور بشار الأسد، توجه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. تُشير هذه الزيارة إلى تحول محوري في السياسة الخارجية السورية، تهدف إلى إعادة تعريف العلاقات مع روسيا، حليفة الأسد منذ زمن طويل، وتعزيز رسالة الاستقلال عن نفوذ القوى الأجنبية.
تُمثل زيارة الشيباني تحولاً رمزياً واستراتيجياً عن الماضي. فبعد أن كانت سوريا، في عهد الأسد، حجر الزاوية في سياسة روسيا في الشرق الأوسط، أصبحت تعتمد اعتماداً كبيراً على دعم موسكو السياسي والعسكري والاقتصادي. والآن، في عهد الرئيس أحمد الشرع، تُعيد سوريا تقييم نفسها، مُؤكدةً أن التعاون المستقبلي يجب أن يُبنى على الاحترام المتبادل، لا على التبعية.
إعادة تقييم الشراكات السابقة
تُعدّ هذه الزيارة فرصةً لمراجعة إطار التعاون السوري الروسي في ضوء التزام سوريا المتجدد بالسيادة الوطنية والشفافية والمنفعة المتبادلة. ومن أبرز المواضيع المطروحة على جدول الأعمال الاتفاقيات الاقتصادية الموروثة من عهد نظام الأسد، لا سيما تلك المتعلقة بالنفط والقمح والبنية التحتية للطاقة، والتي أثقلت كاهل سوريا بديونٍ طائلة.
ويشير المحللون إلى أن الحكومة السورية ليست مهتمة بالحفاظ على الترتيبات القديمة التي تم اتخاذها في ظروف غامضة، بل إن أي تعاون مستمر يجب أن يخدم الشعب السوري في المقام الأول وقبل كل شيء.
حاليًا، تحتفظ القوات الروسية بالسيطرة على أصول عسكرية استراتيجية في سوريا، بما في ذلك منشأة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية. وبينما لا تسعى سوريا إلى إنهاء هذه الترتيبات فجأةً، يقول المسؤولون إنه يجب إعادة النظر في هذه الأمور في ضوء الأولويات الوطنية الحالية.
التعامل مع واقع إقليمي جديد
يأتي الاجتماع في وقتٍ تشهد فيه التحالفات في المنطقة تحولات. فروسيا، التي تدخلت سابقًا بقوة لإبقاء الأسد في السلطة، تراجع دورها بعد الإطاحة به في ديسمبر/كانون الأول 2024. وخلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أهمية “وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها”، وفقًا للكرملين.
فيما يتعلق بالعلاقة بين روسيا وسوريا، تُصرّ القيادة السورية الجديدة على أن مستقبلها لن يُمليه الماضي. وقد أوضح الرئيس الشرع أن إعادة إعمار سوريا ستتم من خلال شراكات سيادية واستراتيجية، لا من خلال تحالفات حصرية أو أجندات خارجية مفروضة.
طي صفحة عهد الأسد
كانت رسالة سوريا متسقة: هذا ليس استمرارًا لسياسات عهد الأسد، بل إعادة ضبط متعمدة. وتؤكد زيارة الشيباني إلى موسكو هذا التحول. فبينما أفادت التقارير أن الرئيس السابق بشار الأسد فر إلى روسيا مع سيطرة قوى الثورة على دمشق، تُركز الإدارة الجديدة على إعادة سوريا إلى الساحة الدولية كلاعب ذي مصداقية واستقلالية.
إن هذا النهج يؤثر بالفعل على كيفية تعامل سوريا مع المجتمع الدولي الأوسع، حيث يدعو إلى استثمارات جديدة واتصالات دبلوماسية، ولكن تحت شرط واضح: لا مزيد من الصفقات خلف الكواليس، لا مزيد من الإملاءات الأجنبية ــ فقط شراكات سيادية تقوم على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.