
في زيارة دبلوماسية بارزة يوم الخميس 31 تموز، التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، في أول لقاء رسمي بين البلدين منذ الإطاحة بالدكتاتور السابق بشار الأسد أواخر العام الماضي. وتعكس هذه الزيارة تحوّلاً حادًا في العلاقات السورية الروسية، وتؤكد سعي دمشق إلى إعادة تأكيد سيادتها في مرحلة ما بعد الأسد.
ووصف الشيباني المحادثات بأنها “نقاش ضروري… يستند إلى دروس الماضي لصياغة المستقبل”، مشددًا على التزام الحكومة السورية الجديدة بإقامة علاقات “صحيحة وسليمة” مع روسيا قائمة على الشفافية والاحترام المتبادل والمصالح الوطنية السورية.
إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية بمنظور سيادي
ركزت المحادثات في جوهرها على مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية التي أُبرمت في عهد الأسد، لا سيما تلك المتعلقة بالنفط والقمح، والتي تقول القيادة الجديدة إنها أدخلت البلاد في ديون لايمكن تحملها. وأعلن الوزيران عن تشكيل لجنة مشتركة لإعادة تقييم هذه الاتفاقيات.
وقال الشيباني خلال مؤتمر صحفي مشترك: “هذه العلاقة تمر بمنعطف تاريخي حاسم. لقد وجدنا انفتاحًا كبيرًا من الجانب الروسي، ونعتقد أن هذه العلاقة ستتطور إلى شراكة استراتيجية متميزة في المستقبل القريب”.
من جهته، أكد لافروف استعداد بلاده للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، لكنه شدد على أهمية المنفعة المتبادلة والسيادة، قائلاً: “أكدنا دعمنا لوحدة الجمهورية العربية السورية وسلامة أراضيها واستقلالها. نحن مستعدون لتقديم كل مساعدة ممكنة في مرحلة ما بعد الصراع”.
سوريا تؤكد استقلالها على الساحة الدولية
تأتي الزيارة في وقت تسعى فيه سوريا إلى إعادة تعريف موقعها على الساحة الدولية، ليس كدولة تابعة لمحاور معينة، بل كفاعل مستقل يدعو إلى شراكات قائمة على المساواة فقط. وأوضح الشيباني أن سوريا “فتحت أبوابها للعالم” بعد سقوط الأسد، وتسعى الآن إلى تعاون لا وصاية من القوى الأجنبية.
وقد عبّر لافروف عن دعم هذا التوجه، قائلاً: “نأمل بالطبع أن يتمكن الرئيس أحمد الشرع من المشاركة في أول قمة روسية – عربية، والمقررة في 15 تشرين الأول المقبل”.
ويمتد هذا النهج إلى ما هو أبعد من الاقتصاد. فقد عقد وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، محادثات مع نظيره الروسي حول التعاون الدفاعي، بما في ذلك مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا. ورغم أن المباحثات لا تزال جارية، أوضحت دمشق أنها لن تقبل بأي هيمنة أجنبية.
قطيعة متعمدة مع الماضي
في الأسبوع الأخير من حكم الأسد، قدمت روسيا دعمًا جويًا محدوداً، لكنها انسحبت مع انهيار قواته التي كانت تعاني من ضعف عسكري واضطراب سياسي، في حين ركزت موسكو على أوكرانيا وأعادت تقييم دعمها. ومنذ ذلك الحين، تبنت القيادة السورية الجديدة لهجة براغماتية، مصرةً على إطار جديد للعلاقات في المستقبل.
وقال الشيباني: “سوريا تريد فقط أن تعيد بناء نفسها. لقد سئمنا من الحرب التي استمرت 14 عاماً”.
ومن خلال وضع السيادة في صميم سياستها الخارجية، توجه سوريا رسالة واضحة بأنها لن تسمح بعد الآن بأن تُفرض عليها أجندات خارجية. لم تكن زيارة موسكو استمرارًا لتحالفات سابقة، بل خطوة نحو المساءلة المتبادلة ومرحلة جديدة لسوريا بشروطها الخاصة.