انسحبت الحكومة السورية من المفاوضات المقررة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في باريس، مشيرةً إلى أن المؤتمر الأخير الذي عقدته قسد في الحسكة يُعد خرقًا مباشرًا لالتزامات اتفاق 10 آذار/مارس. وقالت مصادر في دمشق إن هذا الحدث – الذي حضره شخصيات دينية وعشائرية، من بينهم الزعيم الدرزي المثير للجدل حكمت الهجري – يقوّض جهود الوحدة ويدفع بأجندة انفصالية بدعم خارجي.
ونقلت وكالة سانا عن مصدر حكومي قوله إن اجتماع الحسكة كان “ضربة لجهود التفاوض الجارية” وإنه يمثل “تحالفًا هشًا” من مجموعات تعتمد على “الدعم الخارجي” لاحتكار التمثيل. واتهم المصدر قسد بمحاولة تدويل الشؤون الداخلية السورية، ودعوة التدخل الأجنبي، وطرح مقترحات تتناقض مع دمج الهياكل المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة.
اتهامات بالتجنيد والاعتداءات
إلى جانب الخلافات السياسية، اتهمت منظمات حقوقية قسد باستمرار انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك خطف القاصرين – خاصة الفتيات – للتجنيد العسكري، إضافة إلى اعتقال واستهداف المدنيين والمعارضين السياسيين والقوات الحكومية. وتؤكد الجهات الرسمية أن هذه الممارسات تتعارض مع المعايير الإنسانية الدولية وتهدد الاستقرار الهش في المناطق المتنازع عليها.
وأثار حضور حكمت الهجري انتقادات حادة بسبب إشادته العلنية بإسرائيل، ودوره في اضطرابات السويداء، ودعواته للتدخل الأجنبي في المحافظة. وترى السلطات السورية ومحللون إقليميون أن اصطفافه مع قسد دليل إضافي على التشابك الخارجي في الخلافات الداخلية. كما أن ارتباطه بميليشيات مسلحة متهمة بارتكاب جرائم حرب وأعمال عنف طائفية يثير المخاوف من أن تعاونه مع قسد قد يؤجج الانقسامات الطائفية.
تداعيات إقليمية ودبلوماسية
حمل مؤتمر الحسكة – الذي حمل اسم “وحدة الموقف لمكونات شمال شرق سوريا” – طرحًا لنموذج سياسي لامركزي، ومشاركة أوسع للمكونات العرقية والدينية، ودستور ديمقراطي. لكن دمشق تصر على أن القرارات الهيكلية يجب أن تصدر عن عملية دستورية وطنية يقرها استفتاء، لا من خلال اتفاقات فصائلية أو فرض أمر واقع.
وانتقد قتيبة إدلبي، مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية السورية، رسالة قسد واعتبرها متناقضة. وكتب على منصة “إكس”: “لا يصح الحديث عن الوحدة ورفض التقسيم بينما تُعقد مؤتمرات على أسس طائفية وعرقية”، داعيًا إلى خطوات تلم شمل المكونات بدلًا من تعميق الانقسامات.
وألقى انسحاب الحكومة من محادثات باريس مزيدًا من الشك على جدوى جهود الوساطة الدولية، خصوصًا مع استعداد بروكسل لاستضافة اجتماع لمكونات سورية في 10 آب/أغسطس. ويؤكد منظمو لقاء بروكسل أنه حوار تحضيري غير ملزم، لكن تزامنه مع مؤتمر الحسكة أثار التكهنات حول تنسيق سياسي مشترك.
وتؤكد دمشق أنها مستعدة للحوار مع جميع المكونات السورية شريطة أن يُجرى داخل البلاد وبما ينسجم مع مبادئ وحدة الأراضي والسيادة الوطنية. وفي الوقت الراهن، يعكس انهيار مبادرة باريس اتساع الفجوة بين الحكومة وقسد – واحتمال تفاقم التداعيات الإقليمية إذا فشل الطرفان في العودة إلى مفاوضات مباشرة وجادة.