
أصدرت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة تقريرًا من 66 صفحة حول مجازر آذار 2025 في الساحل ووسط سوريا الغربي، وُصف بأنه محطة مهمة في تاريخ سوريا والأمم المتحدة. فللمرة الأولى منذ تأسيس اللجنة عام 2011، عملت هذه الأخيرة بتفويض مجدّد دون اعتراض من سوريا، حيث سمحت الحكومة الحالية — بل وسهّلت — وصول المحققين إلى المناطق المتضررة في اللاذقية وطرطوس، وهو ما لم يكن مسموحًا به في عهد النظام السابق.
هذا التعاون يعكس نهج الحكومة منذ تأسيس “اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق” بعد أيام فقط من أحداث العنف، بقرار من الرئيس أحمد الشرع، والتي توصّلت إلى نتائج مشابهة لما ورد في التقرير الأممي. وخلصت كلتا الجهتين إلى أن انتهاكات جسيمة، بعضها يُرجَّح أن يرقى إلى جرائم حرب، ارتُكبت على يد بقايا النظام السابق وعناصر في انتسبت مؤخراً للقوات الحكومية، دون وجود أدلة على سياسة رسمية للدولة توجّه هذه الجرائم.
خلفية الأحداث
وضع التقرير المجازر — التي خلفت نحو 1400 قتيل — في سياق بيئة أمنية هشة بعد ثمانية أشهر من التحرر من نظام الأسد، مع استمرار التوترات الطائفية ووجود جماعات مسلحة خارج السيطرة الكاملة للدولة. وقد استهدفت أعمال العنف بشكل رئيسي المجتمعات العلوية، وتضمنت عمليات قتل وتعذيب ودفن جماعي ونهب وحرق للمنازل.
أشار التقرير إلى أن أنماط القتل كانت ذات طابع أديولوجي، حيث فُصل الرجال عن النساء والأطفال، ومُنعت العائلات من دفن ضحاياها وفق الطقوس الدينية، فيما غرقت مستشفيات طرطوس واللاذقية في حالة من الفوضى بسبب الضغط الهائل. ورغم أن القوات الحكومية تحركت لحماية المدنيين، فإن بعض العناصر المرتبطة بها ارتكبت انتهاكات.
التزام بالشفافية والإصلاح
سلّط التقرير الأممي الضوء على تحرك الحكومة السريع، من خلال تشكيل اللجنة الوطنية خلال أيام، وأوقفت عشرات المشتبه بهم، وأحالت المئات من الطرفين — سواء من القوات الحكومية أو المجموعات الموالية للأسد — إلى النيابة العامة. ودعا التقرير المجتمع الدولي إلى دعم سوريا في تنفيذ المزيد من الإصلاحات، مشيرًا إلى أن كثيرًا منها قيد التنفيذ بالفعل.
وصف عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، هاني مجلي التقرير الأولي للجنة الوطنية بأنه “خطوة مهمة” نحو الحقيقة والعدالة، داعيًا إلى نشر التقرير الكامل وتسريع الإصلاحات القضائية، مع التشديد على ضرورة إبعاد المشتبه بهم عن الخدمة الأمنية النشطة وتعزيز إجراءات التحقق لمنع تجنيد متورطين بانتهاكات سابقة.
مكافحة التضليل وبناء الثقة
كما حذّر التقرير من تأثير المعلومات المضللة والتغطية الإعلامية المنحازة على جهود المساءلة، مشيرًا إلى أن حملات التضليل والتقارير التحريضية — بما في ذلك من بعض الوسائل الدولية — ونشر مقاطع مروّعة وغير موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي، عمّقت الانقسامات وأعاقت استعادة النظام العام.
ورغم التحديات الكبيرة، يصوّر التقرير حكومة تتخذ خطوات غير مسبوقة نحو الشفافية والتعاون مع الآليات الدولية. وفي بلد ما زال يحمل جراح سنوات الحرب والقمع، يشكل تقرير آذار 2025 سجلًا لمأساة، كما هو شهادة على تحوّل سياسي يجعل من المساءلة — لا الإنكار — أساس التعامل الرسمي مع الفظائع.