
بعد نحو ثلاثة أسابيع على انطلاقها، تطرح اللجنة الأهلية لحل الأزمة في السويداء نفسها كجسر يربط بين المكوّنات المجتمعية المتفرقة والدولة السورية. وفي مؤتمر صحفي، أوضح رئيس اللجنة، مطيع البطين، أن المبادرة تركز على “الخطاب الوطني، والحوار، والعودة إلى ثقافتنا وتاريخنا الوطني”.
وأشار البطين إلى أن المبادرة ذات طابع مدني وليست صادرة باسم الدولة، لكنها تحظى بدعم غير معلن من السلطات. وأضاف: “معظم إخوتنا من أبناء السويداء … يقفون مع سوريا وتاريخنا المشترك”، مؤكدًا أن الهدف هو إعادة الأمل ورفض الانقسامات الطائفية.
من جانبه، شدد عضو اللجنة شيخ الجاسم، ممثل المجلس العام للمصالحة – وهو مظلة تضم نحو 5 آلاف ناشط على مستوى البلاد – على أن السوريين “لا يمكن أن يعيشوا من دون سوريا موحدة”، وأن المبادرة تهدف إلى “رأب الصدع بين أبناء الوطن الواحد”.
الدعم المجتمعي والتحديات
حظيت المبادرة بدعم من شيوخ الدروز في صحنايا وريف دمشق، إضافة إلى شخصيات محلية في السويداء مثل المهندس عاطف هنيدي، الذي سبق أن توسط في نزاعات بين الدروز ومجتمعات درعا المجاورة. وتؤكد اللجنة أن غالبية السكان يرفضون دعوات التقسيم ويفضلون البقاء ضمن سوريا.
لكن البطين أقرّ بأن المسار يواجه عقبات جدية، منها الضغوط على القيادات المجتمعية وتأثير “الأصوات النشاز”، بما فيها الحسابات الوهمية التي تبث تحريضًا طائفيًا. كما زادت أعمال العنف المستمرة في السويداء – من خطف وقتل وتهجير آلاف العائلات البدوية – من حدة التوتر.
وفي مقابلة متلفزة، قال الشيخ الدرزي ليث البلعوس، ممثل “مضافة الكرامة”، إن معظم أهالي السويداء يرفضون التقسيم ويؤيدون “وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”، لكنه أشار إلى وجود تهديدات تطال كل من يدعم الوحدة ويرفض الخطاب الانفصالي، موضحًا: “من يعبّر عن رأيه اليوم يُتَّهَم بالخيانة … بل يتعرض حتى للقتل”.
السلطات والمساءلة
ورغم أن اللجنة لا تحقق بالجرائم بشكل مباشر، إلا أن البطين والجاسم شددا على أن المصالحة تضع أساسًا للمساءلة عبر الهيئات القضائية المختصة، مؤكدين أن الدولة تبقى الضامن لجهود السلام. وقال الجاسم: “لا يمكن لأي مبادرة أن تنجح من دون دعم السلطات”.
وكان محافظ السويداء مصطفى البكور قد أكد الأسبوع الماضي أن السلم الأهلي “ضرورة وطنية وأخلاقية”، داعيًا جميع الأطراف إلى الانخراط في جهود الإصلاح.
رفض التقسيم والتدخل الخارجي
فيما رفع بعض المتظاهرين في السويداء أعلامًا درزية إلى جانب الإسرائيلية، عبرت مجتمعات درزية أخرى عن معارضتها لذلك. ففي جبل السماق بمحافظة إدلب، خرج الأهالي في مظاهرات ضد دعوات الانفصال، مرددين هتافات ضد “التدخل الخارجي” ومؤكدين ولاءهم لسوريا.
وقال خالد علي، أحد المحتجين لوكالة الأناضول إن “إسرائيل وأطرافًا أخرى تسعى لاستغلال اضطرابات السويداء، لكن هذه المحاولات لا تمثل أبناء جبل السماق”.
وتتمثل الخطوات المقبلة للجنة في مواصلة التواصل مع القادة الدينيين على مستوى البلاد، بهدف عقد لقاء يضم ممثلين عن مختلف الطوائف لإظهار سوريا موحدة. واختتم البطين بالقول: “هذه المبادرة ليست للمساءلة، بل لمنح الأمل وإبعاد سوريا عن الطائفية”.