
“إحياء ذكرى الشهداء” كان أحد العروض المقدمة في الفعالية التي خُصصت لتخليد تضحيات الشعب السوري وتوثيق جرائم نظام الأسد خلال الثورة الممتدة منذ نحو أربعة عشر عامًا. (سانا)
في الذكرى الثانية عشرة لمجزرة السلاح الكيماوي في ريف دمشق، اجتمع السوريون في مدينة داريا لإحياء ذكرى ضحايا مجازر النظام. المؤتمر الذي حمل عنوان: “مجازر سوريا، ذاكرة لا تموت، التوثيق من أجل المحاكمة”، نظمته وزارة الثقافة، وشدّد على أهمية حفظ الذاكرة السورية وتوثيق الجرائم كمدخل لتحقيق العدالة.
الشهادات تروي قصة مأساة أربع سنوات
استضافت صالة قصر الحبيب في داريا المؤتمر، والذي تخلله عرض فيلمين وثائقيين كشفا فظائع جرائم نظام الأسد بحق المدنيين، والقصف الممنهج على المدينة، وتهجير سكانها.
كما قدم شهود عيان من المدينة شهادات مؤلمة – مباشرة ومسجلة – عكست حجم المعاناة التي عاشها أهالي داريا خلال الحصار الذي استمر أربع سنوات، ووصفته منظمات حقوقية دولية بأنه “جرائم حرب”، وأدى إلى تهجير نحو 100 ألف من السكان.
الجرح أصبح هوية
ألقى وزير الثقافة محمد الصالح كلمة مؤثرة قال فيها:
“داريا تعود إلينا محمولة على أجنحة الوجع، كأمٍ ثكلى تبحث عن الخراب في وجوه أطفالها، وتحمل جرحها الذي لم يندمل، وذاكرتها التي لم تخفت، وشهداءها الذين لم يرحلو عن وجداننا.”
وأضاف: “إننا لسنا هنا لنعيد فتح الجرح، بل لنقول إن الجرح صار هوية، وإن الدم صار عهداً، وإن الصرخة التي خرجت من صدور أطفال داريا لم تنطفئ”.
وأكد: “أن داريا أصبحت مدينة في الضمير وبوابة خلاص، والأمانة التي نقسم بأن لا تذهب تضحياتها سدى، وأن تبقى سوريا وطناً يليق بدماء رجالها ونسائها وأطفالها”.
مسؤولية وطنية
شدد الوزير الصالح على أن “المجازر التي تُنسى تتكرر، ونحن لن ننسى”. وأشار إلى أن حماية وتوثيق رواية الثورة السورية وكتابة التاريخ “ليست مسؤولية وزارة الثقافة وحدها، بل مسؤولية الجميع”.
من جهته، قال مدير مديرية المراكز الثقافية، الشاعر أنس الدغيم:
“في مثل هذا اليوم من عام 2013 استيقظنا على الموت وعلى القصف الكيماوي في الغوطة، مستذكرين هذه الجريمة لكي نظل ثابتين راسخين، كما عودنا العالم على ثبات الأحرار في الثورة السورية، لكي لا تتكرر هذه المأساة ولا ننسى الشهداء، ولنقول للطغاة لقد انقطع عهدكم وبقي الانسان المقاوم والثائر الذي طالب بحريته”.
التوثيق يمنع التكرار
تحدث باسم الحو وهو فني تخدير وطالب طب بشري، عن معاناته خلال الحصار، واعتبر المؤتمر مفتاحًا مهمًا جدًا لتوثيق المجازر حتى لا تتكرر في أي بقعة بالعالم، لافتاً إلى ضرورة توثيق التضحيات التي قدمها الشعب السوري، وضرورة قراءة التاريخ القديم والحديث لكي لا تعاد.
ودعا الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي مهند الكاطع إلى تسليط الضوء على المجازر في منطقة الجزيرة السورية، وخاصة في الحسكة، وقارنها بما جرى في داريا.
توثيق الجرائم
أكد الناشط الإعلامي إسماعيل الأنصاري أهمية التوثيق الرقمي والميداني للجرائم عبر إنشاء متاحف وحدائق تذكارية ومحتوى رقمي يحفظ الأحداث. ودعا إلى نشر هذه المواد بلغات متعددة وتشجيع النشطاء على أرشفة الأدلة غير المنشورة.
وقال المسؤول عن المؤتمر تمّام أبو الخير:
“نعلم أن الطريق إلى العدالة طويل، وأن جراحنا عميقة، لكننا نعرف أيضاً أن الأوطان تبنى على الحقيقة لا على الأكاذيب، ويجب علينا تذكّر أن المجازر ليست مجرد فعل ماضوي، بل هو التزام يومي بأن نروي الحكاية ونحفظ الدرس ونمنع تكراره.”