
لا تزال حقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا محور جدل واسع، مع تصاعد الاتهامات الموجهة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES) حول سنوات من سوء الإدارة والسرقة والتدمير البيئي.
وقالت شركة (Gulf sands) البريطانية للبترول، صاحبة امتياز نفطي في الحسكة، إن أكثر من 55 مليون برميل من النفط والغاز بما قيمته 3.85 مليار دولار قد جرى “استخراجها بشكل غير قانوني” من الموقع منذ عام 2017.
وأوضح المدير العام للشركة، جون بيل، أن الإنتاج يخضع لسيطرة “جهات تابعة للإدارة الذاتية وYPG وقسد” ويتم توجيهه إلى شبكات السوق السوداء، ما يحرم السوريين من عوائد شرعية. كما حذر من أن أساليب الاستخراج غير المنظمة تلوث التربة والمياه، مسببة أمراضًا تنفسية وجلدية وسرطانية.
العقوبات والاتهامات بالتواطؤ
لا تقتصر المخاوف على التكاليف البيئية والاقتصادية، إذ اتهم تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) عام 2019 قوات قسد بانتهاك العقوبات الأمريكية والأوروبية من خلال بيع النفط الخام لنظام الأسد الخاضع لحظر دولي. وقدرت الشبكة أن الحقول الخاضعة لسيطرة قسد تنتج نحو 14 ألف برميل يوميًا، بعائدات تتجاوز 378 مليون دولار سنويًا، حيث كان البيع للأسد يتم بسعر يقارب 30 دولارًا للبرميل.
وحذرت الشبكة من أن بعض هذه العائدات قد حُوّلت إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وخلص التقرير إلى أن مثل هذه التحويلات “تشكل تواطؤًا في دعم جرائم نظام الأسد حينها”، داعيًا إلى فتح تحقيقات حول أوجه استخدام عائدات النفط.
استمرار الاحتكار
ورغم أن “قسد” وافقت على تزويد الحكومة السورية الجديدة بالنفط عقب سقوط الأسد، عبر تمديد اتفاق لثلاثة أشهر يقضي بشحن الخام والغاز من الحسكة ودير الزور إلى حمص وبانياس، إلا أن الجزء الأكبر من تجارة النفط وعائداته يبقى غير معلن. وأكدت مصادر أن عمليات النقل اليومية تجاوزت 15 ألف برميل من الخام وما يصل إلى مليون متر مكعب من الغاز، بينما لا يزال الإشراف على الحقول بيد الإدارة الذاتية.
وقال فنّيون في رميلان إن الإنتاج شهد تقلبات لكنه ظل فوق 50 ألف برميل يوميًا، مع تقديرات تجاوزت 100 ألف برميل قبل الاضطرابات الأخيرة. ويجري تكرير معظم هذا النفط محليًا وبيعه عبر محطات تديرها الإدارة الذاتية.
دعوة للرقابة المركزية
ودعت جلف ساندز إلى توحيد قطاع الطاقة السوري تحت إشراف الحكومة المركزية، مؤكدة أن الإدارة الشفافة يمكن أن ترفع الإنتاج من 80 ألفًا إلى 500 ألف برميل يوميًا، ما يوفر مليارات الدولارات من العائدات الشرعية. وروّجت الشركة لمبادرة “مشروع الأمل”، التي تقترح إشرافًا دوليًا على عائدات الطاقة لتمويل جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار.
وفي الوقت ذاته، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 16.7 مليون سوري بحاجة إلى المساعدة وأن 90% من السكان ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر. ويرى ناشطون أن العائدات الشرعية للنفط يمكن أن تساهم في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وبينما تستمر النزاعات، يبقى مصير الثروة النفطية السورية غير محسوم، عالقًا بين صراعات النفوذ الإقليمية والاتهامات بالسرقة الممنهجة، في وقت لم ينل فيه السوريون سوى القليل من أحد أهم موارد بلادهم.