
تعمقت التوترات السياسية والأمنية في شمال شرق سوريا مع استمرار تعثر تنفيذ اتفاق الاندماج بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية. الاتفاق الذي أُعلن عنه في 10 آذار من قبل الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، كان يهدف إلى دمج المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لقسد ضمن إطار الدولة المركزي.
ورغم التفاؤل الأولي، تعثر الاتفاق. إذ قالت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (الذراع المدني لقسد) في بيان بتاريخ 14 أيلول إن دمشق أخرت تحويل الحوار إلى خطوات عملية، مما يثير الشكوك حول التزامها. وأكدت الإدارة أن نموذجها في الحكم اللامركزي لا يعني الانفصال، محذرة من أن اتهامها بالنزعة الانفصالية يقوض التعايش.
دمشق تضغط من أجل الوحدة
جدّد الرئيس الشرع، في مقابلة متلفزة يوم 13 أيلول، عزمه على تجنب الحرب في الشمال الشرقي، لكنه شدد على أن الحكومة لن تتنازل عن السيادة السورية. وقال: “سوريا لن تتخلى عن حبة تراب واحدة”. وأضاف أن الاتفاق مع قسد ما يزال سارياً حتى نهاية العام، مع توقع التنفيذ بحلول كانون الأول.
ويصف المسؤولون السوريون اتفاق آذار بأنه “تاريخي”، لكنهم يعترفون بأن اعتراضات قسد على الإعلان الدستوري المؤقت قد عطّلت التقدم. وتؤكد قيادة قسد أن الاندماج يجب أن يتضمن “اعترافاً دستورياً” بتنوع مكونات سوريا، لا مجرد دمج عسكري.
تركيا تحذّر من التصعيد
أبدت تركيا اقتراب نفاد صبرها إزاء تعثر العملية. فقد التقى الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئيس الشرع في الدوحة في 15 أيلول، مؤكداً ضرورة التزام قسد باتفاق آذار. وقال مسؤول سوري رفيع لرويترز إن أنقرة حذرت من أنها قد تدعم “عملاً عسكرياً” ضد قسد إذا لم يتم إحراز تقدم قبل نهاية العام.
من جانبه، صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في روما أن مقاتلين أكراداً مرتبطين بـ حزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف دولياً كمنظمة إرهابية، يعبرون إلى سوريا لدعم قسد، واصفاً الوضع بأنه تهديد مباشر للأمن القومي التركي. وقال: “لن نقف صامتين أمام هذه التهديدات”.
دعوات داخلية ودولية للحوار
دعا مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقسد، في اجتماع عقد في الحسكة يوم 14 أيلول إلى حوار وطني شامل. واصفاً نموذج الإدارة الذاتية بأنه “تجربة حاسمة” في الحكم التشاركي، وجدد التزامه بقرار مجلس الأمن 2254 كقاعدة للحل السياسي.
وبينما تواصل دمشق الضغط من أجل السيطرة المركزية، تؤكد الإدارة الذاتية استعدادها لاستئناف المفاوضات بمجرد تحديد مواعيد رسمية. أما اللجان الفنية المختصة بالشؤون الدستورية والإدارية والأمنية فما تزال معلّقة بانتظار موافقة الحكومة.
موعد نهائي يقترب وتركيا تراقب
مع تمسك الطرفين بمواقفهما رغم تبادل رسائل التطمين، يبقى مستقبل شمال شرق سوريا غير محسوم. وستختبر الأشهر المقبلة ما إذا كان بمقدور دمشق وقسد التوصل إلى تسوية، أو ما إذا كانت القوى الخارجية، وعلى رأسها تركيا، ستفرض مساراً مختلفاً.