
انضمّ الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الجنرال الأميركي المتقاعد ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق ديفيد بيترايوس في نقاش علني خلال قمة كونكورديا السنوية في نيويورك، والتي عُقدت بالتزامن مع الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وشكّل هذا اللقاء إحدى أبرز الإطلالات الدولية للشرع منذ تولّيه الرئاسة بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.
وصف الشرع انتقال سوريا بأنه “انتقال من ميادين القتال إلى ساحات الحوار”، مؤكداً أنّ نضال الشعب السوري “قضية نبيلة وعادلة”. وقال إن أولوية الحكومة الجديدة هي حماية المدنيين وترسيخ سلطة مؤسسات الدولة، مشدداً على أن حصر السلاح بيد القوات الرسمية هو مفتاح الاستقرار.
القيادة والاستراتيجية العسكرية
استعاد الشرع مجريات الحرب، منوهاً بأن التفاؤل والتوقيت السليم والتخطيط الاستراتيجي الدقيق كانت عوامل أساسية في نجاح الثورة. وأوضح أنّ القوى الثورية واجهت “روسيا وإيران وحزب الله وعدداً من الفصائل” طوال الصراع قبل التقدم نحو دمشق. وأشار إلى أنّ المؤسسات التي أُنشئت في إدلب وفّرت أساساً للحكم بمجرد الإطاحة بالأسد.
وقال: “وصلنا إلى دمشق بأقل الخسائر”، مبرزاً أهمية الجمع بين التخطيط العسكري والتحضير الميداني والدعم الشعبي، مؤكداً أنّ الشعب السوري نفسه سهّل تقدّمهم وساندهم.
الأولويات الاقتصادية والسياسية
شدّد الشرع على أن التعافي الاقتصادي هو محور مستقبل سوريا، رابطاً التنمية بالأمن على المدى الطويل. ورحّب بالتعليق المؤقت لبعض العقوبات الأميركية من قبل الرئيس دونالد ترامب في حزيران/يونيو، لكنه أكد أن الأمر يتطلب تحركاً من الكونغرس لرفع العقوبات بشكل كامل.
وقال: “أولويتنا تحقيق الأمن والاستقرار عبر توحيد الشعب والأرض السورية مع دفع عجلة التنمية الاقتصادية”. وأضاف أن سوريا ستواصل التحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت أثناء الحرب، مشيراً إلى لجان تقصي الحقائق الجديدة والتعاون مع فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة.
العلاقات مع إسرائيل وأمن المنطقة
في ما يخص التوترات الإقليمية، أكد الشرع أنّ سوريا تسعى لعلاقات هادئة مع جميع الدول، بما فيها إسرائيل. وأشار إلى أكثر من ألف غارة إسرائيلية خلال الأشهر الماضية وتكرار الاختراقات للأراضي السورية، لكنه أوضح أن حكومته تهدف إلى تجنب الحرب.
وقال: “إنّ هضبة الجولان المحتلة أرض سورية معترف بها من الأمم المتحدة”، مؤكداً انفتاح سوريا على محادثات تعالج المخاوف الأمنية الإسرائيلية. وأضاف أنّ مناقشات متقدمة تجري حالياً حول اتفاق يستند إلى اتفاقيات فصل القوات لعام 1974.
وتابع: “الكرة الآن في ملعب إسرائيل والمجتمع الدولي لتحديد المسارات الحقيقية التي ينبغي أن نسلكها”.
الموازنة بين المحاسبة والوحدة
وبينما أقرّ بالانقسامات التي خلفتها 14 سنة من الحرب، رفض الشرع فكرة المحاصصة في التمثيل السياسي، لكنه دعا إلى شراكة وطنية واسعة. وكشف أن أكثر من 250 ألف سوري ما زالوا مفقودين، وأن مليون شخص قُتلوا خلال الحرب، ما يعكس حجم الخسائر.
وقال: “نحن نتحرك بسرعة نحو بناء سوريا جديدة”، مضيفاً أنّ المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين في السويداء والساحل سيحاسَبون بغض النظر عن انتماءاتهم.
وقد عكست جلسة كونكورديا مع بيترايوس عزم سوريا على إعادة تقديم نفسها إلى الساحة الدولية مع الإجابة عن الأسئلة التي تخص الأمن العالقة في الداخل والخارج.