
توجه السوريون يوم الأحد إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في أول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام الأسد، في لحظة مفصلية من مرحلة الانتقال السياسي لما بعد الأسد.
وقد جرى التصويت تحت إشراف “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب”، وفق نظام انتخابي غير مباشر — وهو آلية مؤقتة صُممت لمراعاة واقع تهجير الملايين وغياب بيانات سكانية دقيقة.
وبحسب الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، انتهت عملية الاقتراع مساء الأحد في جميع المحافظات، واستمر فرز الأصوات حتى الليل. وكان نحو 6000 عضو من الهيئات الانتخابية في مختلف أنحاء سوريا مؤهلين للإدلاء بأصواتهم لاختيار ثلثي أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 210 أعضاء، فيما سيتم تعيين المقاعد السبعين المتبقية بمرسوم رئاسي بموجب “الإعلان الدستوري لعام 2025” و“المرسوم الرئاسي رقم 66”.
وقال المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب نوار نجمة إن العملية جرت “من دون أي خروقات أمنية أو اعتراضات”، مشيراً إلى أن النتائج ستُعلن خلال 48 إلى 72 ساعة. وأضاف: “أثبت السوريون قدرتهم على خوض تجربة انتخابية، حتى ولو كانت محدودة النطاق”، واصفاً التصويت بأنه “تجربة جديدة تكشف الواقع السوري كما هو”.
إقبال ملحوظ ونتائج إيجابية في جميع المحافظات
أظهرت النتائج الأولية التي أُعلنت في وقت متأخر من مساء الأحد مشاركة نشطة في عدد من المحافظات.
ففي حمص، فاز ثمانية مرشحين بمقاعد تمثّل المدينة، يتصدرهم وضاح نجيب رجب بحصوله على 168 صوتاً. وقال رجب بعد فوزه: “حمص تستحق كل هذا الحماس وهذه الطاقات الشبابية لتمثيل الشعب”.
وفي درعا، تنافست ستة مقاعد، وكان أول الفائزين المعلنين محمد فاروق عاصي بعد إقبال قوي في المركز الثقافي بالمدينة.
أما في المناطق الساحلية، فقد تم انتخاب 12 ممثلاً من اللاذقية وطرطوس. وهنّأ محافظ اللاذقية محمد عثمان الفائزين، داعياً إياهم إلى “التركيز على نقل هموم الناس… وبناء مؤسسات راسخة على أساس الكفاءة والشفافية”.
وفي إدلب، أكدت السلطات نجاح إتمام الانتخابات في ست مناطق، مع إعلان أسماء 12 فائزاً دون تسجيل أي اعتراضات أو مخالفات. كما اختُتمت العملية الانتخابية في ريف دمشق بانتخاب 12 عضواً من تسع مناطق.
بين الطموحات والقيود
تأتي هذه الانتخابات بعد أشهر من التحضيرات التي وصفها المراقبون بأنها “موازنة بين الطموحات والقيود”، كما ذكرت الدكتورة سيلفيا كارينزي من “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)”. وأشارت في تحليلها إلى أن “النظام الهجين يجسد حلاً مؤقتاً وعملياً” في دولة ما زالت مثقلة بجراح الحرب والتغيرات السكانية.
ووصف وزير الداخلية أنس خطاب الانتخابات بأنها “ركيزة أساسية في بناء الدولة السورية”، مشيداً بدور قوات الأمن في “ضمان حق المواطنين في التعبير الحر والآمن”.
من جانبه، قال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا إنهم استخدموا “تقنيات تكنولوجية حديثة” لتأمين مراكز الاقتراع وإحباط محاولات تعطيل العملية.
ورغم تشكك بعض المنتقدين في غياب الاقتراع المباشر، فقد اعتُبرت الانتخابات خطوة جوهرية نحو استعادة الحياة المؤسسية. وقال نوار نجمة: “نريد مجلساً قادراً بحق على حمل الأعباء الملقاة على عاتقه في المرحلة المقبلة”، مشيراً إلى هدف الحكومة المتمثل في “تشكيل هيئة تشريعية تعبّر عن الانتماء الوطني”.
وبالنسبة لكثير من السوريين، شكّل تصويت يوم الأحد — مهما كان محدوداً — خطوة مترددة لكنها مهمة نحو إعادة بناء الحياة السياسية بعد عقود من الحكم الاستبدادي وسنوات من الحرب.
