
وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت يوم الجمعة، العاشر من تشرين الأول، في أول زيارة لوزير خارجية سوري إلى لبنان منذ 15 عامًا، والأولى منذ تحرير سوريا. وقاد الشيباني وفدًا رفيع المستوى ضم وزير العدل مظهر الويس، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين سلامة، وعددًا من كبار المسؤولين، في زيارة تُعدّ إشارة إلى انطلاق عهد جديد من التعاون والمساواة بين البلدين الجارين.
طي صفحة الماضي المعقد
قال الشيباني، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، إن زيارته “تعكس توجه سوريا الجديدة التي يكنّ لها لبنان كل احترام”، مؤكدًا أن بلاده تسعى إلى “إعادة العلاقات على أساس المصالح المشتركة وحسن الجوار”، والعمل على “تجاوز أخطاء الماضي التي كنا نحن أيضًا من ضحاياها”.
تأتي الزيارة بعد عشرة أشهر فقط من سقوط نظام بشار الأسد. ومنذ ذلك الحين، تسعى دمشق إلى إعادة بناء علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة على ما وصفه الشيباني بأنه “أسس التعاون والاحترام المتبادل”.
ورحب وزير الخارجية اللبناني بالوفد السوري بحرارة، واصفًا المناسبة بأنها “تاريخية” وبداية “طريق جديد نحو السلام والأمان والتعاون والتنمية”.
العدالة والإنسانية في قضايا المعتقلين
من أبرز القضايا التي نوقشت مصير أكثر من 2000 معتقل سوري في السجون اللبنانية، حيث تشير مصادر سورية إلى أن العديد منهم يواجهون تهمًا ذات دوافع سياسية أو تمت محاكمتهم ضمن إجراءات قضائية معيبة خلال سنوات من الاضطرابات.
وأكدت سوريا أنها أظهرت قدرًا كبيرًا من الرحمة واحترام القانون، مشيرة إلى إفراج دمشق عن جميع المعتقلين اللبنانيين بعد التحرير، معربة عن أملها في أن يُقابل ذلك بعدالة وإنسانية مماثلتين من الجانب اللبناني.
وقد بدأت اللجان المشتركة التي تشكلت الشهر الماضي بمراجعة ملفات المعتقلين والبحث عن المفقودين اللبنانيين في سوريا، فيما أكدت السلطات اللبنانية التزامها بتطبيق القانون بعدالة، ومواصلة التعاون ضمن الإطار القانوني المشترك الجديد.
واعترف الممثلون السوريون بمعاناة العائلات اللبنانية التي لا تزال تبحث عن أقاربها المفقودين، مؤكدين أن سوريا تعرف جيدًا ألم الفقد. “فكل مفقود، سوريًا كان أم لبنانيًا، هو جرح لا يلتئم إلا بالصدق والمصالحة.” وتعهدت دمشق بالتعامل مع هذه الملفات بـ”شفافية وتعاطف وجدية”.
اللاجئون والحدود والسيادة
تبقى قضية عودة اللاجئين من أبرز التحديات. فبينما أقرت سوريا بالعبء الكبير الذي تتحمله لبنان، شددت على أن العودة يجب أن تكون “آمنة وطوعية وكريمة”، وفقًا للقانون الدولي. ومع إحراز بعض التقدم، يعمل البلدان على إنشاء آلية مشتركة لتنسيق عودة اللاجئين بطريقة منظمة وقانونية.
كما كانت مسألة ترسيم الحدود أولوية في المحادثات، إذ يعاني الشريط الحدودي الممتد على مسافة 375 كيلومترًا من مشاكل التهريب والفوضى منذ سنوات. وقال مصدر دبلوماسي سوري لـ”Levant24”: “ذلك العصر انتهى. فسوريا مصممة على تأمين حدودها وحماية سيادة البلدين”.
علاقة تُبنى على الاحترام والثقة
أكد الوزيران أن التنسيق المستقبلي سيتم عبر القنوات الدبلوماسية، بعد أن أوقفت سوريا عمل المجلس الأعلى السوري–اللبناني الذي ظل معطلاً لفترة طويلة. كما تهدف الزيارة إلى مناقشة استعادة الأصول والأموال السورية المحتجزة في لبنان.
وتعتزم دمشق طرح مسألة المعدات العسكرية ومليارات الدولارات من الودائع السورية المجمدة في المصارف اللبنانية، مشيرين إلى أن الأزمة المالية في لبنان لا يمكن أن تكون مبررًا لحجز ممتلكات تعود للشعب السوري.
ومع استمرار الزيارة، تبقى رسالة دمشق واضحة: سوريا الجديدة تسعى إلى الشراكة لا الهيمنة. وقد أظهرَت الحكومة الانتقالية قدرًا كبيرًا من الاحترام والتقدير للبنان، مؤكدة أن الاحترام المتبادل والصدق والتعاون هي وحدها السبيل لتحقيق الاستقرار الدائم بين البلدين.
