يقول سكان القرى الحدودية في محافظة القنيطرة جنوبي سوريا إن الحياة اليومية باتت اختبارًا للصبر في ظل الوجود العسكري الإسرائيلي شبه الدائم. القرى ذات الأغلبية الشركسية مثل بريقة وبير عجم، التي كانت تضم نحو 250 عائلة قبل عام 2011، لم يبقَ فيها اليوم سوى أقل من 60 عائلة، بحسب ما صرّح به مختار القرية سيف الدين جاويش لوكالة الأناضول.
وأوضح جاويش أن الدوريات الإسرائيلية تعبر القرى عدة مرات في اليوم، وغالبًا ما تدخل المنازل وتحتجز السكان مؤقتًا. وقال:
“النقل شبه متوقف، والطلاب والموظفون لا يستطيعون الوصول إلى مدارسهم أو أعمالهم. نشعر وكأن الوجود العسكري يخيّم فوقنا دائمًا”.
وأضاف أن المجتمعات التي كانت نابضة بالحياة الاجتماعية تحوّلت إلى تجمعات هادئة ومسنّة نتيجة التوغلات المستمرة وتراجع الفرص الاقتصادية. وتغطي التلال المحيطة بالقرى الآن نقاطًا عسكرية إسرائيلية، ما خلق ما وصفه جاويش بـ”جو أشبه بالحصار”. وتقع هذه القرى على بُعد ثلاثة كيلومترات فقط من خط وقف إطلاق النار، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للعمليات والهجمات عبر الحدود.
الاحتلال المستمر والمقاومة في الجنوب
تحتفظ إسرائيل منذ سبعة أشهر بمنطقة محتلة بعرض 15 كيلومترًا في جنوب سوريا، تشمل أراضي يسكنها نحو 40 ألف سوري. وقد شهدت المنطقة توغلات متكررة، من بينها دخول دورية إسرائيلية يوم الأربعاء إلى أوفانيا والصمدانية الشرقية بريف القنيطرة الشمالي.
وقال مراسل تلفزيون سوريا إن قافلة إسرائيلية مؤلفة من ثماني آليات عسكرية، بينها دبابات وجرافة، دخلت القرى، وداهمت منازل، ونشرت قواتها قرب تل كرم جبا قبل أن تنسحب لاحقًا. كما أبلغ مزارعون من جَبَاتَا الخَشَب عن تعرضهم للمضايقة أثناء محاولتهم الوصول إلى أراضيهم، حيث أطلق الجنود النار عليهم واستخدموا قنابل دخانية لطردهم.
وقد أجّجت هذه الانتهاكات غضب الأهالي. ففي عين القاضي، عندما وزعت القوات الإسرائيلية مساعدات غذائية شملت طعامًا ودقيقًا وحليب أطفال، أحرقها السكان احتجاجًا. وقال أحدهم لقناة تلفزيون سوريا:
“نرفض أن نقبل أي شيء من الاحتلال. نرى هذه المساعدات محاولةً لإضفاء شرعية على وجودهم”.
الجهود الدبلوماسية والتحالفات المتغيرة
مع تصاعد التوتر على الحدود، تسعى القيادة السورية الجديدة للحصول على دعم دولي لمواجهة التمدد الإسرائيلي. وخلال زيارته إلى موسكو، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لبحث التعاون الدفاعي واستعادة السيادة السورية.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، حثّ الشرع روسيا على معارضة مساعي إسرائيل لتوسيع المنطقة المنزوعة السلاح، ودعا إلى إعادة المفتشين الروس والأمميين لمراقبة خروقات وقف إطلاق النار.
وشدّد الشرع على أن أي ترتيبات أمنية مستقبلية يجب أن تحترم الأراضي السورية وأجواءها، مؤكدًا أن أولوية سوريا هي وقف الغارات الإسرائيلية المتكررة وتحقيق الاستقرار الداخلي.
أما بالنسبة لما تبقّى من سكان القرى الحدودية في القنيطرة، فيبدو أن الاستقرار ما زال بعيد المنال. وكما قال جاويش:
“نريد السلام فقط — لكن السلام يتطلب نهاية الاحتلال”.