
تتصاعد الضغوط داخل الولايات المتحدة لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، في خطوة تعتبرها الإدارة الأميركية ضرورية لدعم الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، ولتمهيد الطريق أمام مرحلة جديدة من إعادة الإعمار بعد أكثر من عقد من الصراع.
البيت الأبيض: “العقوبات أدت غرضها الأخلاقي”
أكد مسؤولون في البيت الأبيض لـ”المونيتور” أن الإدارة الحالية تطالب الكونغرس بإلغاء قانون قيصر بشكل كامل ودائم، معتبرة أن “استمرار العقوبات يخنق أمة تحاول إعادة بناء وطنها”.
وقال توم براك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، إن “قانون قيصر كان له هدف أخلاقي في مرحلة ما، لكنه اليوم يعطل مسيرة التعافي الوطني”، مضيفًا أن رفع القيود “سيمنح السوريين فرصة حقيقية للنهوض من جديد”.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أصدر في حزيران/يونيو الماضي أمرًا تنفيذيًا برفع معظم العقوبات الأميركية، مستثنيًا بعض الشخصيات المرتبطة بالفساد أو الإرهاب. وقال ترامب آنذاك: “سوريا اليوم تستحق فرصة للنهوض”، في إشارة إلى التحول في السياسة الأميركية تجاه دمشق.
انقسام داخل الكونغرس حول الإلغاء الكامل للعقوبات
رغم القرار التنفيذي، لا يزال قانون قيصر لعام 2019 العقبة القانونية الرئيسية، إذ لا يمكن إلغاؤه إلا بتصويت الكونغرس.
وقد قدّم أعضاء من الحزبين، منهم السيناتور جين شاهين، والنائب جو ويلسون، تعديلات على مشروع قانون الدفاع السنوي (NDAA) لإلغاء القانون نهائيًا.
في المقابل، طالب مسؤولون آخرون مثل السيناتور ليندسي غراهام بإبقاء بعض الشروط، منها ضمان عدم الاعتداء أو تشكيل تهديد لإسرائيل.
فيما تضغط بعض المنظمات الموالية لإسرائيل في واشنطن للإبقاء على العقوبات ضد بلد تعتبره تهديدًا لإسرائيل والأقليات، ويشارك مسؤولون إسرائيليون كبار، من بينهم رون ديرمر المقرب من نتنياهو، في جهود الضغط على المشرّعين، وفق ما نقله موقع “المونيتور”.
جهود حثيثة ومطالبات بالإسراع لرفع العقوبات
على هامش المنتدى الاقتصادي “المرونة المستقبلية” في لندن ، قال وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار لـ”رويترز” يوم الثلاثاء 21 أكتوبر، إن دمشق تأمل أن يتم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها رسمياً خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف: “علينا ممارسة بعض الضغط وحشد بعض التأييد لمواصلة المضي في هذا المسار الذي بدأ في الاتجاه الصحيح، ونأمل أن يصل مشروع القانون إلى الرئيس بحلول نهاية العام، ونأمل أن يوقعه”.
وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في منشور سابقٍ له على منصة X: “على مدى الأشهر الماضية، وبتوجيهٍ من فخامة الرئيس أحمد الشرع، وبعزيمة فريقي في وزارة الخارجية، عملنا على رفع أحد أثقل الأعباء التي كبّلت وطننا اقتصادياً وسياسياً (قانون قيصر)”، معتبراً أن هذه الخطوة تستعيد كرامة الإنسان السوري وحقه في العمران وصناعة المستقبل، بالإضافة إلى إعادة نشاط مؤسسات الدولة للنهوض والازدهار.
إعادة الإعمار والرهانات المستقبلية
يُقدّر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، فيما ترى غرفة التجارة الأمريكية أن استمرار العقوبات “يضعف فرص الشركات الأميركية أمام نظيراتها الأوروبية والآسيوية في السوق السورية”.
إلا أن منظمات حقوقية أميركية وسورية حذّرت من أن رفع العقوبات دون ربطه بإصلاحات قانونية وعدلية قد يتيح “الإفلات من المحاسبة” عن انتهاكات سابقة، داعية إلى “ربط الإعفاء بمسار العدالة الانتقالية”.
وبين الرغبة الأميركية في دعم الاستقرار الاقتصادي في سوريا، والحرص التشريعي على عدم منح دمشق حرية مطلقة دون ضمانات، يقف قانون قيصر عند مفترق طرق.
فإذا تم إلغاؤه خلال الأشهر المقبلة، ستكون سوريا أمام مرحلة اقتصادية جديدة قد تفتح الباب لعودة الاستثمارات وإعادة الإعمار، أما إذا اُجّل القرار مجددًا، فقد يواجه الاقتصاد السوري عامًا آخر من الجمود والعزلة المالية.
