
حذرت منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية من تدهور الوضع الإنساني في سوريا، حيث يواجه الملايين نقصًا متزايدًا في الرعاية الصحية والمياه والغذاء. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تضاؤل المساعدات وضغط الانهيار الاقتصادي المطول وضغوط المناخ في جميع أنحاء البلاد.
الرعاية الصحية في أزمة
أفادت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها أن سكان شمال شرق سوريا يُكافحون للحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الطبية. أظهر تقييم ميداني أُجري في محافظة الحسكة في يونيو/حزيران، وشمل مقابلات مع أكثر من 150 عائلة، أن 90% منها أجّلت العلاج أو تجنبته بسبب ارتفاع التكاليف، أو بُعد المسافات، أو نقص وسائل النقل.
وأفادت المنظمة أن 85% من الأسر لديها فرد واحد على الأقل يعاني من مرض غير معدي، مثل داء السكري أو ارتفاع ضغط الدم، مما يزيد الضغط على نظام صحي ضعيف أصلاً. تدعم المنظمة عيادات في الحسكة والرقة متخصصة في علاج هذه الحالات المزمنة.
وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن الوضع يتدهور مع انخفاض تمويل المساعدات. وصرحت القائمة بأعمال ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، كرستينا بيثكي، للصحفيين في جنيف أن 417 مرفقاً صحياً تأثر بتخفيضات التمويل هذا العام، بينما قلّص 366 مرفقاً خدماته أو أوقفها. وأضافت أن 7.4 مليون شخص فقدوا بالفعل إمكانية الحصول على العلاج أو الدواء.
ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، حدثت 13,700 ولادة دون وجود طاقم طبي مؤهل في الأشهر الأخيرة، بينما أدى النقص إلى تعطيل 210,000 إحالة طبية و89,000 استشارة للصحة النفسية. لا تزال 58% فقط من المستشفيات و23% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل بكامل طاقتها.
ندرة المياه واستغلالها
حذرت منظمة أطباء بلا حدود أيضًا من تفاقم أزمة نقص المياه في شمال شرق سوريا، حيث أدى تغير المناخ وتضرر البنية التحتية والتنافس على مصادر المياه إلى تعريض العديد من المجتمعات للخطر. واجهت محطة مياه علوك، التي تزود ما يقرب من مليون شخص، انقطاعات متكررة منذ عام 2019، مما أجبر السكان على الاعتماد على بدائل غير آمنة.
وجدت دراسة أجرتها المنظمة أن 37% فقط من الأسر لديها ما يكفي من المياه للاستخدام اليومي. كما أفادت بأن النساء، اللواتي غالبًا ما يتحملن عبء جمع المياه، يواجهن الإرهاق والتحرش، مع بعض حالات الاستغلال الجنسي من قبل بائعي المياه.
ولتخفيف حدة النقص، قالت المنظمة إنها أعادت تأهيل 12 بئرًا وساعدت في إصلاح محطتي ضخ العزيزية والحمة في الحسكة، على الرغم من أن الاستقرار على المدى الطويل يعتمد على إعادة تأهيل محطة علوك.
فجوات التمويل وانعدام الأمن الغذائي
حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن قطاع الصحة في سوريا يواجه عجزًا قدره 77 مليون دولار في نداءها البالغ 141.5 مليون دولار لعام 2025، وهو جزء من خطة أوسع بقيمة 565.5 مليون دولار، لم يُموّل منها سوى 20% فقط. وصرحت بيثكي بأن مستشفيات الحسكة ودير الزور قد تُغلق أبوابها بحلول نهاية العام في حال عدم تجديد الدعم، مما يترك مئات الآلاف دون رعاية صحية.
في غضون ذلك، أدى الانهيار الاقتصادي إلى تفاقم مشكلة الجوع. وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن متوسط دخل الأسرة في شمال شرق سوريا يبلغ حوالي 150 دولارًا شهريًا، وأن 77% من الأسر تُبلغ عن نقص في الغذاء عدة مرات شهريًا.
ووصفت باربرا هيسيل، رئيسة البرنامج، الأزمة بأنها “انهيار يومي لقدرة الناس على العيش بكرامة”. وحثّت المنظمتان الجهات المانحة والسلطات على زيادة التمويل والتنسيق. وقالت بيثكي: “إن الحفاظ على الخدمات الصحية اليوم هو جسر التعافي والاستقرار سوريا في المستقبل”.
