
بعد عام واحد على الإطاحة ببشار الأسد، تحاول سوريا إعادة بناء دولة أنهكتها نحو 14 عامًا من الحرب. وقد عملت الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع على إعادة قدر من النظام الأساسي، في وقت تواجه فيه ضغوطًا سياسية واقتصادية وإقليمية معقدة. وكتبت مجلة الإيكونوميست أن المرحلة الانتقالية “سارت بشكل أفضل مما توقعه كثيرون”، مشيرة إلى “القدرة اللافتة للشرع على المناورة دبلوماسيًا”، رغم أن الطريق لا يزال طويلًا.
وجاء سقوط الأسد في 8 ديسمبر 2024 بعد هجوم خاطف استمر 11 يومًا فقط، ليدحض بذلك الشعار الذي ردده النظام مبكرًا: “الأسد أو الفوضى”، والذي كان يحذر أنصاره من أن البلاد ستنهار إذا أُجبر على مغادرة السلطة. ووفقًا لـ”الإيكونوميست”، فإن الحرب التي أعقبت ذلك لم تكن حتمية، بل جاءت نتيجة رفض الأسد التنحي ولجوء النظام إلى القمع العنيف ضد المتظاهرين السلميين.
الموازنة بين الإصلاح وبناء الثقة الشعبية
تولى الشرع الرئاسة في ظل تدقيق شديد، خصوصًا بسبب ارتباطاته السابقة بتنظيم القاعدة. ومع ذلك، لم تنزلق البلاد إلى الفوضى المتوقعة. فلم تُفرض قيود دينية على المجتمع، أو تؤثر الأدولوجيا على الحكم، وهو ما اعتبرته المجلة انعكاسًا لـ“براغماتية الرئيس الجديد”.
ومع ذلك، تبقى التحديات الداخلية جسيمة. فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 70% منذ اندلاع الثورة عام 2011، ولا يزال ملايين السوريين بحاجة إلى السكن والعمل والخدمات الأساسية. كما ينقسم المنتقدون حول السياسات الاقتصادية للحكومة الجديدة، التي تميل إلى نموذج “السوق الحرة” واللامركزية. ويرى بعضهم أن هذا النهج “يتجنب إعادة بناء مؤسسات الدولة”، عبر إنشاء هيئات موازية بدلًا من تقويتها. واستشهدت “الإيكونوميست” بإنشاء هيئة جمركية جديدة كمثال على خطوات أدت إلى تحويل الإيرادات بعيدًا عن وزارة المالية.
السياسة الخارجية تعيد تشكيل المشهد الإقليمي
على الصعيد الدبلوماسي، ابتعدت سوريا عن المحور الروسي الإيراني، واقتربت أكثر من الغرب، وهو ما تُرجم بلقاء جمع الشرع مع ترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي. وقد رفعت واشنطن بعض العقوبات بشكل مؤقت، وتعمل على تخفيف أخرى، فيما أبدت دول خليجية اهتمامًا بالاستثمار في سوريا، بالتزامن مع مواصلة إدارة مكافحة المخدرات التي شُكّلت حديثًا جهودها لتفكيك تجارة المخدرات التي ازدهرت في عهد الأسد.
ولا تزال العلاقات مع إسرائيل متوترة. فبينما حاولت سوريا فتح “صفحة جديدة”، ردّت تل أبيب بما وصفته الإيكونوميست بـ“العداء غير الحكيم”. وأسهمت التوترات المحلية في السويداء، حيث تلقت فصائل درزية دعمًا علنيًا من إسرائيل، في زيادة المخاوف من تصعيد أوسع.
عام مفصلي في الانتظار
يأتي الاختبار التالي لسوريا في يناير المقبل مع انعقاد البرلمان الجديد. وسيكشف أداؤه عمّا إذا كانت البلاد تتجه نحو رقابة حقيقية ومساءلة فعلية، أم تعيد إنتاج برلمانات صورية كما في عهد الأسد. وحتى الآن، نجحت الحكومة الانتقالية في الحفاظ على كيان الدولة وتجنب العودة إلى الحرب. وخلصت الإيكونوميست إلى أنه “بينما نجح الشرع خلال عامه الأول في منع الانهيار، فإن المهمة الأصعب تكمن في بناء مؤسسات قوية وقادرة على دعم نظام سياسي جديد”.
