
مع خروج سوريا من ظل حكم الأسد الذي دام أكثر من نصف قرن، تُمثل محافظة السويداء جنوب سوريا نموذجًا مصغرًا للتوترات التي تُحدد مشهد ما بعد الصراع في البلاد. بعد أن ظلت السويداء معزولة لفترة طويلة عن التحالفات العسكرية الرئيسية، تجد نفسها الآن في قلب صراع هادئ ولكنه متصاعد حول الشرعية والقيادة ومعنى الدولة.
بعد سقوط الأسد، لم تشهد السويداء انتقالًا واضحًا للسلطة. بدلًا من ذلك، بدأت الشخصيات الدينية والميليشياوية المتنافسة في فرض سيطرتها، حيث يدّعي كل منها حماية الطائفة الدرزية وقيمها التاريخية المتمثلة في الكرامة والخصوصية والاستقلالية. لكن هذه المصطلحات، التي ارتبطت سابقًا بإرث المقاومة، تُستخدم بشكل متزايد لتبرير الوجود المسلح والتشرذم المؤسسي.
في قلب الجدل حول القيادة، يقف الشيخ حكمت الهجري، الذي نصّب نفسه مرجعًا روحيًا يسعى إلى “حماية دولية” للسويداء. ومع ذلك، فقد تعثرت دعواته للتعبئة العامة. في مايو/أيار، حيث تجاهل السكان إلى حد كبير دعوته للاحتجاج في ساحة الكرامة، كاشفين عن تراجع نفوذهم المبني على الرمزية أكثر من البنية الشعبية.
رؤى متنافسة داخل القيادة الدرزية
تدعو شخصيات دينية أخرى، مثل الشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي، إلى انخراط مشروط مع الحكومة المركزية برئاسة أحمد الشرع. ويدعون إلى الحفاظ على “خصوصية السويداء الثقافية والإدارية” دون رفض الدولة. إلا أن براغماتيتهم لم تتجسد بعد في برنامج سياسي متماسك.
وتزيد الفصائل المسلحة من تعقيد المشهد. إذ تُبدي جماعات مثل “رجال الكرامة” بقيادة ليث البلعوس استعدادها للتعاون مع دمشق، بينما ترفض جماعات أخرى، مثل حركة عبد الباقي، التكامل وتُغازل القوى الخارجية، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية والقاعدة الأمريكية في التنف.
السويداء: إشارة تحذير للتماسك الوطني السوري
أدى هذا التشرذم، إلى جانب التخريب والتدخل الأجنبي والعنف السياسي، إلى تفريغ مؤسسات الدولة من محتواها. وكانت استقالة المحافظ مصطفى بكور، عقب هجوم علني شنه مقاتلون معارضون للحكومة، أحدث حلقة في تصاعد العداء تجاه دمشق.
قد يكون ما يحدث في السويداء مؤشرًا على التحول الأوسع في سوريا. إن انجراف المحافظة نحو السيطرة الفصائلية، وتولي السلطة الدينية زمام الحكم، والتحريض الخارجي، يشير إلى احتمال تفكك الوحدة الوطنية. إن استعداد أشخاص، مثل الهجري، لدعوة التدخل الإسرائيلي علنًا – وهو أمر كان مستبعدًا في السابق – يدل على تفكك أعمق بين المتنافسين على السلطة والأسس المجتمعية لشعب يعارض التدخل الأجنبي والتشرذم.
مع انتقال الحكم الفعلي من المؤسسات المنتخبة إلى الفصائل المسلحة والزعماء الدينيين، يتزايد خطر استغلال السويداء لنشر الفرقة والفوضى في أماكن أخرى. إن صراعات السلطة غير المحسومة في المحافظة وغياب الإجماع المدني يثبتان أنه بدون سلطة دولة شاملة وقابلة للتنفيذ، فإن سوريا تخاطر بالانزلاق إلى خليط من الأنظمة المحلية التي تحركها الهوية والسلاح والانتهازية.