تراجعت عمليات تهريب المخدرات في جنوب سوريا بشكل ملحوظ منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، إلا أن الفراغ الذي خلّفه ذلك، نتيجة الاضطرابات في محافظة السويداء، أوجد مصدرًا جديدًا لعدم الاستقرار يهدد تعافي سوريا وأمن المنطقة ككل.
وفقًا لأبحاث صادرة عن منظمة إيتانا سوريا (Etana Syria)، فقد انخفضت محاولات التهريب عبر الحدود السورية–الأردنية بنحو 60٪ خلال أول الشهرين بعد سقوط النظام، مقارنة بالفترة ذاتها من فترة التهريب السابق.
إن نهاية شبكة الاتجار بالمخدرات التي كانت تديرها أجهزة أمن النظام بالتعاون مع حزب الله أدت إلى تفكيك ما وصفه محللون بأنه أحد أكبر الاقتصادات الإجرامية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن غياب السلطة المركزية في السويداء أتاح المجال أمام الجماعات الإجرامية والميليشيات المسلحة وبقايا النظام لإعادة تنظيم صفوفها.
السويداء تحت هيمنة الهجري: ملاذ لعصابات الجريمة
في الأشهر التي تلت سقوط الأسد، تمكن الزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم من إسرائيل من تمكين سيطرته على المحافظة. وربط تقرير أعدته “كارولاين روز” حول الاقتصادات غير المشروعة في سوريا ما بعد الأسد، الميليشيات المرتبطة بالهجري بشبكات تهريب وابتزاز تموّل عملياتها من خلال تجارة المخدرات والأسلحة.
وتشير مصادر محلية إلى أن عدداً من المقاتلين الدروز ضمن مظلة الهجري الأمنية تورطوا في عمليات تهريب مخدرات.
ومع انهيار منظومة التهريب التابعة للنظام، لم تختفِ دوافع التجارة الاقتصادية، إذ لا تزال المجتمعات الحدودية في الجنوب تعاني من الفقر وارتفاع معدلات البطالة بعد تفكك شبكات التهريب. ونتيجة لذلك، لجأ العديد من المهرّبين والمقاتلين السابقين، الذين وجدوا أنفسهم عاطلين ومسلحين، إلى بيع المخدرات محليًا وعمليات الخطف والابتزاز كمصدر للرزق.
تهديد للأمن الإقليمي
تجاوزت تبعات الفوضى في السويداء حدود سوريا، إذ كانت الأردن الأكثر تأثرًا بوصفها الوجهة الرئيسية للمخدرات المهرّبة.
وفي شباط من هذا العام، قال مسؤول في معبر نصيب الحدودي لـ”Levant24″ إن الجانب الأردني “أعرب عن ارتياحه لوصول السلطات الجديدة إلى الحكم، وأبدى ثقته بأنها ستضع حدًا لعمليات التهريب التي ازدهرت في عهد الأسد”.
ورغم أن الأردن سجّل انخفاضًا كبيرًا في محاولات التهريب منذ كانون الثاني 2025، لا تزال هناك مخاوف من أن تؤدي الفوضى في السويداء إلى تراجع هذا التقدم. كما تبدي دول الخليج قلقها من احتمال عودة تدفقات الكبتاغون إذا ما أعادت الميليشيات المحلية بناء شبكات الإنتاج.
جهود الحكومة والتعاون الدولي
على عكس سابقتها، جعلت الحكومة السورية الجديدة مكافحة تهريب المخدرات أولوية، وبدأت بالتنسيق مع كل من الأردن والعراق لتعزيز أمن الحدود، كما طلبت دعمًا فنيًا من شركاء دوليين.
وقد تمكنت السلطات من مصادرة مصانع ومخازن إنتاج في جنوب سوريا، وأغلقت طرق تهريب كانت تدار سابقًا من قبل حزب الله.
لكن التقدم في السويداء لا يزال محدودًا؛ فبدون عودة الوجود الحكومي الفاعل ودعم دولي أقوى، قد تستمر الجهات الخارجة عن القانون في زعزعة الاستقرار على الحدود.
استعادة النظام في الجنوب
يتفق المحللون على أن إعادة بسط السيطرة المركزية في السويداء أمر حاسم لضمان الاستقرار طويل الأمد.
ورغم أن حملة الحكومة الجديدة أضعفت شبكات التهريب على مستوى البلاد، إلا أن الجنوب، حيث تهيمن الشبكات الإجرامية المحلية، يحتاج إلى تعاون محلي مستمر وانخراط دولي فعّال.
وإذا بقيت السويداء خارج نطاق سلطة دمشق، فإن الميليشيات والعصابات هناك ستواصل الاستفادة من الفوضى، مما يشكل تهديدًا دائمًا ليس فقط لتعافي سوريا، بل أيضًا للأردن ودول الخليج والمنطقة بأسرها.
